للأسف مواطن ناقص

 

للأسف مواطن ناقص

لقد تناولت موضوع منح الأرض للقطريين بالتجنس في مقالة سابقة (الشرق 8/2/2015)، وذكرت فيها أن الذنب يقع على من وضع هذا القانون (قانون رقم (2) لسنة 2007 بشأن نظام الإسكان) الذي يفرق بين أهل قطر، ولم يفكر بنتائجه التي ستحدث، أو بالفئة التي ستظلم. إن التفريق بين المواطنين، حسب ما ورد بذلك القانون، هو مخالفة صريحة للدستور القطري، وبخاصة المواد (18) و(19) و(20) و(34)، ومن المعروف أن كل نص يخالف الدستور يعتبر باطلاً. ونجد أن هذا القانون ومعه قرار مجلس الوزراء رقم (3) لسنة 2008 بتحديد شروط وضوابط انتفاع القطريين المتجنسين بنظام الإسكان قد خالفا مخالفة صريحة أهم مبدأ تضمنه الدستور القطري وهو أن "الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات العامة لا يجوز طلب تعديلها إلا في الحدود التي يكون الغرض منها منح مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن" (انظر المادة (146)). وهذا المبدأ الدستوري المهم يعني أن أي تعديل على أي مادة دستورية، أو على أي قانون يجب أن يصب في صالح المواطن. والمواطن الذي أقصده هو كل من انتسب إلى قطر، بغض النظر عن طريقة كسبة للجنسية، وأصبح جزءاً من المجتمع له حقوق وعليه واجبات. ودساتير العالم ومنها الدستور القطري لم تفرق بين المواطنين من ناحية الأصالة أو التجنس (ما عدا في مادة (80) للترشح كعضو بمجلس الشورى المنتخب، ومادة (117) للتعيين كوزير). إن قانون الإسكان الجديد مع مقارنته بالقانون الملغي رقم (1) لسنة 1964 بإنشاء نظام للمساكن الشعبية، والمرسوم الملغي رقم (7) لسنة 1977 بتنظيم إسكان كبار الموظفين القطريين، قد انتقص من المكتسبات التي حصل عليها المواطن ولم يأت "بمزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن"، بل على العكس نجد أن القوانين السابقة أفضل بكثير من الحالية، لأن القطري المجنس كان يمنح الأرض والقرض بصفته مواطناً قطرياً. واستناداً إلى ذلك فإن القوانين والمراسيم الجديدة تعتبر لاغية. إن كثيرا من المسؤولين، وللأسف، تمر عليهم مشاريع القوانين، التي صيغت من بعض المستشارين، بدون دراسة ما ستخلفه تلك القوانين من شق صف المجتمع القطري تبعاً للأصالة والتجنس. وهنا ألوم مجلس الشورى الذي، كما عودنا دائماً، يوافق بالإجماع على ما يصله من مشاريع القوانين بدون نصح الحكومة بالآثار المحتملة من بعض تلك القوانين على المجتمع مستقبلاً.
ولنسأل أنفسنا: من المستفيد من عدم منح المجنس أرضاً يبني عليها بيت العمر في دولة اعترفت به كمواطن؟ بعد التفكير في كل الاحتمالات لم أجد سوى تجار العقار، وبخاصة أصحاب البشوت "الراهية"، والكلمة المسموعة، والتي آلت إليهم الأراضي سواء بوضع اليد، أو عن طريق الهبة من الدولة، وقاموا على إثرها بإعادة تقسيم الأرض إلى قطع مختلفة الأحجام، وعرضها على من يملك المال. وأعتقد جازماً أنهم هم من يقف خلف قرار أن المجنس لا يمنح أرضاً لأنه لو صار ذلك لانخفضت قيمة الأرض التي حصلوا عليها بالمجان، ولفقدوا ملايين الريالات. إنه من غير الممكن لموظف عادي أن يشتري أرضاً تبلغ قيمتها أضعاف قيمة القرض (قيمة الأرض الآن لا تقل عن 5ر3 مليون ريال قطري). إن منح المجنس أرضاً وقرضاً، وكما أراه، يصب في مصلحة البلاد والعباد، وبخاصة أنه من المتوقع ضخ أكثر من عشرة مليارات ريال قطري في السوق القطري. وهذه المليارات تعني تشغيل قطاعات عريضة من الشركات القطرية مثل شركات المقاولات، الحدادة، النجارة، البلاط والطابوق، الخرسانة، الأدوات الصحية والكهربائية، وغيرها الكثير. وفي نفس الوقت لا يخشى على الأرض لأن القانون صريح في هذه الناحية وهو "عند سحب الجنسية تعود ملكية الأرض للدولة". يعني لو أراد المجنس استرجاع جنسيته الأصلية ورغب بالمغادرة فلا أعتقد أنه يستطيع حمل المنزل أو الأرض معه.
وفي الختام نقول إنه من العيب أن تتم الموافقة على منح المجنس قرض الإسكان والبالغ 2ر1 مليون وتحجب عنه الأرض الهبة من الدولة. إنني أرى بأن قانون الإسكان الذي فرق بين المواطنين هو قانون مأساة بكل ما تعني الكلمة. وأعتقد أن الحكومة تستطيع مساعدة المجنس بأن تقوم بتنفيذ نص المادة (1) من القرار الوزاري وهو ".. مبلغ قرض الاسكان.. أو وحدة سكنية مناسبة"، والبدء ببناء وحدات سكنية مناسبة ومنحها لهم مقابل أقساط ميسرة. إن المواطن لا يريد سوى الإحساس بالأمان وبرعاية الدولة له كمواطن.. يا ليت هؤلاء المواطنين من القادمين الجدد أو في غزة أو في الجنوب اللبناني لكانوا ضمنوا قيام الحكومة ببناء بيوت لهم وفوق ذلك "بالمجان".
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع