"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ"

 

"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ"

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، ولأهميتها فإن رب العالمين قرنها بالصلاة في أكثر من ثلاثين آية. وعندما كتبت مقالي "الجمعيات الخيرية وعجز الموازنة" (الشرق 6/3/2016)، وجدت أن عدداً كبيراً من المواطنين والمقيمين ينتقدون رأيي في إلزامية تسليم الزكاة للدولة، متعللين بأعذار واهية ومردود عليها كلها. ومن هذه الأعذار: 1. الأضمن أن يقوم المزكي بإيصالها بنفسه إلى المستحقين. 2. عدم الثقة في الحكومة التي يطغى عليها الفساد وأموالها عرضة للنهب. 3. أن الدولة غنية وليست في حاجة للزكوات. والصراحة ما ألومهم على نقدهم الذي أتى بسبب الخلط بين مفهومي الزكاة والصدقة، ولاتباع الكثير منهم فتاوى الذين برعوا في جمع الزكوات بهدف معلن أنهم سيسلمونها إلى الفئات الثمانية التي حددها رب العالمين في قوله تعالى "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ.." التوبة: 60
في البداية أريد أن أؤكد أن حاصل جمع 1 + 1 لا تحتاج إلى أستاذ رياضيات. كما أنني لست متخصصاً بالفقه الإسلامي، ولكني أعرف أن القرآن نزل "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" الشعراء: 195. والحمد لله أنني أقرأ القرآن وأحاول قدر الإمكان أن أتدبر معانيه. وأقول، بعد هذا التوضيح، أننا نحتاج إلى وقفة لنفهم المقصود من قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .." التوبة: 103. وفي هذه الآية أصدر رب العالمين أمراً لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ الزكاة من المسلمين. فلو كان غير ذلك لكان بدلاً من "خذ من أموالهم" لأصبحت والعياذ بالله "خذ من أموالك". ولأن القرآن هو منهج حياة فإن أمر جباية الزكاة لم يقتصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تعداه ليشمل ولاة الأمر من بعده. ولهذا نجد أن الخليفة الراشد أبا بكر الصديق رضي الله عنه فهم المقصود من هذه الآية عندما امتنع بعض المسلمين، بعد وفاة خير البشر، من دفع الزكاة لولي أمر الدولة الإسلامية، وقال قولته الشهيرة "والله لو منعوني عناقاً" (أو عقال بعير)، فهو لم يقل "والله لو منعوا محتاجاً"، ولكنه قال لو منعوني، أي صفة المنع مرتبطة بعدم أدائها له بصفته ولياً للمسلمين. فلذلك حارب أبو بكر الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كل من منع الزكاة حتى أدوها إلى خليفة المسلمين كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله. ولذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحق". وتذكر المصادر أن كل من حاول دفع الزكاة لغير بيت مال المسلمين، في تلك الفترة، سمي "مرتداً". وكما تذكر المصادر أن أفضل عهود الرخاء، ورفعة شأن المسلمين، وتقدمهم في كل المجالات، كانت في فترة دفع الزكاة على وجهها الصحيح. وعندما ضيع المسلمون أمر جباية الزكاة وتسليمها للدولة حل بهم الضياع، وانتشر الفساد، وتأخروا عن سائر الأمم.
إن الكثير من المسلمين يدركون أهمية دفع الزكاة ويحرصون على أدائها، ولكن يتم ذلك إلى غير خزينة الدولة وهم لا يفقهون إلزامية دفعها للدولة. وإنني أقول، بما هداني رب العالمين، أن أي مال لم يدخل إلى الدولة وقام أصحابه بإنفاقه على أحدى الفئات الثمانية مباشرة، أو قاموا بتوزيعه على الجمعيات الخيرية، فليس بزكاة مطلقاً، بل هو في حكم الصدقة. أما الذي يحتج بغنى الدولة أو بالفساد فيها فهو لا يعرف فقه الزكاة، "فمثلما الزكاة هي تطهير لأموال المسلمين وزكاة لهم فإنها في الوقت نفسه تطهير لآليات الدولة وقنواتها المالية". إن في تولي الدولة توزيع الزكاة على أوجهها المحددة حكمة تتمثل في حفظ ماء وجه مستحقي الزكاة، علاوة على أنه ستر للفقراء عزيزي النفس الذين "لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" البقرة: 273.
وفي الختام أقول إن نسبة دافعي الزكاة للدولة قليلة جداً، وهذا ليس نابع من إعراض المكلفين عن دفعها، أو بسبب العناد، أو تعمد المعصية، ولكن نتيجة جهلهم بإلزامية أدائها للدولة. والمجتمع الذي يجهل فقه الزكاة تنبثق عنه دولة تجهل واجبها في جباية الزكاة. وفي رأيي أن الدولة التي تقصر في جباية الزكاة لا تقل إثماً عن المكلف الذي يتهرب عن أدائها. ولا تنسوا قوله تعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ.." الأعراف: 96
ملاحظة: بناءً على أمر من استشاري العيون فإني سأتوقف، بعد العملية، عن الكتابة لمدة أسبوعين أو ثلاثة .. فلا تنسوني من صالح الدعاء.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع