المشكلات والأزمات في قطر

 

المشكلات والأزمات في قطر

دراسة رائعة للأستاذ الدكتور حامد طاهر بعنوان "المشكلات والأزمات فى مصر المعاصرة" وسوف أنظر للدراسة من زاوية الوضع في قطر. والدكتور حامد هو أستاذ الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم التي كان عميدها فيما سبق، وكان يشغل منصب نائب رئيس جامعة القاهرة. وقد عمل بجامعة قطر أستاذاً معاراً من 1985 وحتى 1991. بدأ الدكتور حامد دراسته بالبحث عن الاختلاف بين كلمتي "المشكلة والأزمة". وذكر أن "المشكلة" هي عقبة عارضة يمكن أن نجد لها حلاً سريعاً، أما "الأزمة" فهى مجموعة من المشكلات اتحدت وتضخمت على مدى زمني طويل، ولا يمكن لفرد واحد أن يحلها بقرار، ولكنها تتطلب من المجتمع كله ضرورة التعاون والتصميم على إزالتها، أو الحد من خطورتها وتداعياتها. والذي يميز المجتمعات هو القدرة على حل مشكلاتها، وتجاوز أزماتها. ولحل المشكلات والأزمات فإنه لابد من اختيار أحد المنهجين:
أولاً: المنهج العقلي: ويرتكز على التأمل والتحليل والتعليل والمقارنة، ثم إبداء الحلول المقترحة. والحلول نفسها عرضة للجدل الذى قد يطول بسبب أن الأقوى حجة، أو الأكثر تنظيماً للبراهين، أو الأنصع بياناً وبلاغة، أو الأعلى صوتا هو الذى يفوز فى إقناع الآخرين في اتباع طريقة حله للمشكلة أو الأزمة والتي في الغالب مبنية على اجتهادات شخصية.
ثانياً: المنهج التجريبي: يعتمد على جمع المعلومات عن المشكلة أو الأزمة منذ نشأتها ثم يقوم باقتراح حلول لها، والذي يكون فى العادة عقليا، ولكن عليه أن يجتاز التجربة على نموذج مصغر، ومن الممكن الاستعانة على حلها بتجارب مجتمع آخر بدلاً من البدء من الصفر، فالمنهج التجريبي يحسم الحكم بصواب الحلول المقترحة من خلال الاحتكام إلى التجربة. وحين تثبت صحة الحل المقترح فإنه يصلح لحل أى مشكلة أو أزمة مماثلة في أى مكان فى العالم.
إن الفارق بين الدول المتقدمة والدول التي تسمى"النامية" إنما يكمن فى اتباع المنهج التجريبي، أو فى عدم الأخذ به، لأن المنهج العقلى يفقد المجتمعات التى تأخذ به الكثير من الوقت كما يبدد جهود أبنائه في مناقشات لا طائل من ورائها. ولنأخذ، على سبيل المثال، مشكلة العجز في الموازنة وكيف نحلها: 1. هل يكون بوقف بعض المشروعات التي ليس لها علاقة مباشرة بكأس العالم 2022؟ 2. هل يكون بوقف أو تأجيل بعض المشروعات الاستثمارية الخارجية؟ 3. هل يكون بوقف الهدر المالي من رواتب وعلاوات الفئة المتميزة من الوافدين؟ 4. هل يكون برفع الدعم الكامل عن المحروقات والسلع الأساسية وتعويض المواطنين عنها؟ 5. هل يبقى الوضع على ما هو عليه؟
إن المنهج العقلى لحل مشكلة العجز المالي بالموازنة سهل والمطلوب فقط هو جلوس عدد من المستشارين فى حجرة مريحة، ثم يقوم كل منهم بإبداء رأيه حسب ما يتصور عقله أنه الصواب. فأول شيء سيتم استبعاد ما له علاقة بسمو الأمير وهما الحلان (1) و(2) بهدف أن لا يشعر سموه بوقع وحجم المشكلة. أما (3) فغير ممكن لأنه يتعلق برواتب من يجلس على الطاولة. في حين أن (4) لا يجوز مطلقاً لأنه سينفع المواطن وسيزيد من دخله، وسيمتص جزءاً من دخل الجالسين على الطاولة، علماً أن المواطن لا يستفيد سوى بأقل من 10 % من جملة الدعم السنوي المقدم من الحكومة للسكان في قطر. أما الحل (5) فهو غير ممكن إطلاقاً لأنه سيعطي دلالة على أنهم لا يعملون. وفي الأخير نجد أصحاب المنهج العقلي طلعوا لنا بحلول تضر المواطن ولا تمس شيئاً من حقوق المجتمعين حول الطاولة. أما في المنهج التجريبي فيتم اختيار واحد من الحلول الخمسة ودراسة تجارب الدول الأخرى التي مرت بنفس المشكلة، ثم القيام بتجربة الحل المقترح لفترة محدودة، فإذا حقق النتائج المرجوة عمموا هذه التجربة على الكل. أما إذا لم يكن كذلك ذهبوا للحل الذي يليه، أو حلول أخرى، حتى يصلوا للحل الناجع. والابداع هنا يتمثل فى طرح حل يمكن تطبيقه لحل المشكلة أو الأزمة. إن عدم الأخذ بالمنهج التجريبي يؤدى إلى فوضى تبعد المجتمع عن تحقيق أهدافه الحقيقية فى التقدم، وتتركه ضحية النقاش والجدل العقيم والمصالح الشخصية.
وفي الختام نقول: إنه من المهم تعليم وتدريب أطفال قطر على دراسة المنهج التجريبي، والالتحام المباشر بين الفكر والواقع، بدلاً من طريقة المنهج العقلي والحشو غير النافع المتبع الآن. إن المشكلات لا يوجد لها حل سحرى والمفروض مواجهتها بالمنهج التجريبى قبل أن تترسخ وتتضخم لتصبح أزمات.، ومثل ما يقال "إذا أردت لموضوع أن يموت فشكّل له لجنة"
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع