التنمية للوافد وليست للمواطن

 

التنمية للوافد وليست للمواطن

في ختام مقالة الأسبوع الماضي طرحت تساؤلا وهو: كم من مبالغ هذه الموازنة (موازنة 2016)، والموازنات السابقة، خصصت للمواطن القطري؟ وكان هذا التساؤل هو مدار الحديث طيلة الأيام الماضية. ووجدت أن الجميع يطالبني بتفسير هذا السؤال البريء جداً. وحتى نستطيع الإجابة على هذا التساؤل فإنه لا بد من سرد تاريخ تطور عدد السكان في دولة قطر وبعد ذلك نحاول أن نفهم لمن تتم التنمية في قطر رسمياً ولمن تتم لهم فعلياً. كان عدد سكان قطر في 1908 حوالي 27 ألف منهم 78 % من المواطنين. وفي 1970 وصل عدد السكان إلى حوالي 120 ألف كانت نسبة المواطنين منهم 5ر40 %. أما في 1980 فقد بلغ عدد السكان 240 ألف منهم 2ر28 % من المواطنين. وفي نهاية 2015، وبحسب تقديرات وزارة التخطيط التنموي والاحصاء، فقد قدر سكان قطر المسجلين 5ر2 مليون نسمة، ومع إضافة من وصل حديثاً ولم يحصل على تأشيرة زيارة العمل نصل إلى أن عدد المتواجدين على أرض قطر قد تجاوز 3 مليون نسمة، منهم، حسب تقديري، نصف مليون من الإناث و5ر2 مليون من الذكور. وبلغ عدد المواطنين من الإجمالي حوالي 280 ألف منهم 137 ألف من الذكور. وبهذا نعرف أن نسبة المواطنين لا تصل حتى 10 % من اجمالي عدد السكان. وبعد أن عرفنا عدد السكان نتوجه لمعرفة لمن تتم التنمية في قطر. وبحسب رؤية قطر الوطنية 2030، المثبتة على موقع وزارة التخطيط التنموي والإحصاء، نجد أن التنمية موجهة إلى توفير مستويات عيش عالية تتيح لمواطنيها القطريين، رجالاً ونساءً وشباباً، الاستفادة من إمكاناتهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في جوانب حياتهم اليومية كلها. وهذا يعني، وكما ذكروه في الموقع، السعي إلى توفير نمط عيش مزدهر لجميع القطريين. ولقد أكد سمو الأمير المفدى، في احدى خطبه، على هذا التوجه بقوله "من الطبيعي أن نضع مصلحة قطر والشعب القطري على رأس سلم أولوياتنا". وفي خطبة أخرى ذكر سموه لقد "رسمنا مسارنا نحو تحقيق أهداف رؤيتنا الوطنية التي تترجم التزامنا برفاه مواطنينا إلى خطة عمل تعمق العلاقة التبادلية بين النمو الاقتصادي والتنمية الانسانية وبين مصلحة الوطن ورفاه المواطنين". بعبارة أخرى إن محور التنمية هو المواطن القطري. وحسب المخطط يجب توفير رعاية صحية حديثة يستفيد منها جميع القطريين، ونظاماً تربوياً وتعليمياً يضاهي أرقى الأنظمة التعليمية في العالم، ومشاركة متزايدة ومتنوعة للقطريين في قوة العمل. وفي السباق لتحقيق ما تسعى له الدولة لصالح المواطن وجدنا أن الذي تحقق هو تركيبة سكانية غير محمودة العواقب، يتصارع فيها القطري مع سيول الوافدين في كل مناحي الحياة. وكتبت الأخت هند السويدي، نسأل الله لها الرحمة، مقالة في 2009 بعنوان: أيهما يعتبر الأقلية في قطر الأجانب أم المواطنون؟ ذكرت فيها أن المواطنين "بدأوا يتضاءلون بالعدد والحجم السكاني، ويستاؤون من عدم القدرة على مزاحمة سيول الأجانب في المطارات والمراكز والمستشفيات الصحية والمجمعات والأماكن العامة". وأضافت في مقالتها أن "المواطنين اليوم أصبحوا في وضع حرج يظهرون به كأنهم أقلية في بلدهم لا ينتفعون لا بالخدمات الطبية والرعاية الصحية أولاً بأول كما يجب، وليست لديهم فرص الانتفاع بالخدمات السياحية والترفيهية أيام الاحتفالات والمناسبات". والمشكلة أنه بدلاً من تحقيق الأهداف المرسومة في الخطط المعتمدة، والحد من التدفق البشري لإصلاح خلل التركيبة السكانية، تم السماح لأعداد أكبر لتوفير خدمات أكثر لكل قادم جديد. وتستمر العملية في حلقة مفرغة إلى ما لا نهاية، لدرجة أن وصل عدد القادمين إلى قطر شهرياً بحدود 200 ألف نسمة. ومن واقع المصروفات العامة ومقارنتها بعدد السكان في قطر تم تحديد تكلفة الفرد من الموازنة العامة لتصل إلى 088ر3 ريالاً شهرياً. وبهذا يصل ما خصص للوافدين من الموازنة العامة إلى 101 مليار ريال في حين أن ما خصص للمواطنين يبلغ 10 مليارات ريال قطري فقط لا غير. وبما أن سيل الوافدين مستمر فإن الاستنزاف من موارد الدولة سيتعاظم وسيزيد. والمؤسف أن غالبية ما خصص للوافدين لن يصرف محلياً ولكنها ستجد طريقها لمغادرة الحدود.
وفي الختام نرى أن الرعاية الصحية مفقودة والنظام التعليمي في أسوأ أشكاله أما المشاركة المتزايدة للقطريين في قوة العمل فحل محلها التحويل للتقاعد. وهنا نتساءل هل الطرق والشوارع التي ترصف والمستشفيات التي تبنى وقطارات الأنفاق التي تعمر وغيرها الكثير هي لاستخدام 280 ألف نسمة؟ وعلى فكرة أن 280 ألف مواطن يعانون هذه الأيام ويكابدون من الإهمال. 
والله من وراء القصد .

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع