مشروع قانون المناقصات

 

مشروع قانون المناقصات

طالعتنا صحف يوم الثلاثاء الماضي (انظر الشرق 12/05/2015) بخبر أن مجلس الشورى، في جلسته الأسبوعية لدور الانعقاد الثالث والأربعين، قد وافق على إلغاء قانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن تنظيم المناقصات والمزايدات، ووافق على مشروع قانون يسمح بأن تنشأ في كل وزارة أو جهاز حكومي أو هيئة أو مؤسسة عامة لجنة للمناقصات خاصة بها، تكون خاضعة لمراقبة وزارة المالية وديوان المحاسبة بقصد حماية المال العام. ومن أهم ملامح مشروع القانون، كما ذكرت الصحف، مبدأ العلانية والمساواة والقيمة مقابل الثمن ويؤخذ بالأفضلية والجودة بما يتوافق مع احتياجات الدولة، وتطبيق مفهوم الشراء بذكاء. وقدم المجلس توصياته بأن تعطى الأولوية في المشتريات الحكومية للمنتجات الوطنية، ومن ثم للمنتجات ذات المنشأ الوطني بدول مجلس التعاون الخليجي. وركز المجلس على ضرورة عدم منافسة الشركات الحكومية للقطاع الخاص في التقدم للمناقصات. وكل ما سبق يعتبر ممتازا، ولكن القانون يحمل في طياته مبادئ لا بد من الانتباه إليها، ومن أهمها: أولاً: إن القانون سيخالف أربع مواد من مواد الدستور القطري في إعفائه للشركات الأجنبية من تقديم التأمين، سواء المؤقت أم النهائي، بينما فرض شروطاً معقدة على الشركات القطرية قبل التعاقد، وشروطاً على المقاول المحلي من حيث تصنيفه وتأهيله وتقييمه ومنها الضمان المالي المؤقت والنهائي، ولا ننسى الجزاءات دون اللجوء إلى المحكمة. ثانياً: إن مشروع القانون ذكر أن العقد مع الحكومة ينتهي بمجرد وفاة المتعاقد صاحب الشركة، وأضاف أنه إذا أراد الورثة إكمال تنفيذ العقد فلا بد من عقد جديد، مع التأكد أن لدى الورثة الملاءة المالية المطلوبة مع توافر الضمانات الفنية اللازمة. سبحان الله وهل بدأت الترسية وتنفيذ العقد إلا بوجود ما ذكر. ثالثاً: إن مشروع القانون ولائحته التنفيذية قد أجازت للجهة الحكومية زيادة أو خفض قيمة العقود بنسبة لا تزيد على 20 % من قيمة العقد. إن ذكر ذلك في حد ذاته ينبئ بكارثة خطيرة لا تزال تعاني منها الأجهزة الحكومية وهو غياب التخطيط السليم لمشروعاتها، وأنها لا تعرف ماذا تريد أن تنفذ، وبهذا فإنها تسقط في الهاوية وتجر المتعاقدين معها. وهناك ملاحظات أخرى على مشروع القانون ولكن أثرها محدود ولذا لا داعي لذكرها. إن مشروع القانون، كما أراه، يجعل من الجهة التي تطرح الممارسة أو المناقصة هي الخصم والحكم في ذات الوقت. ففي يدها وضع المواصفات والترسيات وتقرير زيادة أو خفض قيمة العقود وتقرير نسبة الإنجاز وتوقيع الجزاءات المختلفة، وفي هذا ظلم شديد على أصحاب العقود لأنهم لا يستطيعون اللجوء إلى جهة محايدة تنصفهم من تعسف الجهة الحكومية، علماً أن الجزاءات تفرض دون اللجوء للمحاكم. ما يعني أن هذا الأمر يعتمد على تقدير الجهة الحكومية، وعلاقتها مع أصحاب العقود. وهذا لا يجب أن يكون في ظل دولة القانون والمؤسسات.
ولقد كانت تأتيني، بحكم عملي السابق بالجامعة، الكثير من أوراق إعداد المناقصات للاعتماد. وكنت أرفض اعتمادها وأحاسب الجهة التي جهزت تلك الأوراق والسبب أن المواصفات مفصلة على أجهزة معينة ويبقى فقط كتابة اسم الجهاز. وهذا لا يجوز في المناقصات لأنه يحرم الشركات الأخرى التي تعمل في المجال نفسه من التقدم. وكنت أيضاً أحضر في جلسات تقييم العطاءات والترسية بلجنة المناقصات المركزية، بوزارة المالية، وكان النقاش، في بعض الأحيان من بعض الأعضاء، يمثل شبهة التعدي على المال العام وذلك بتنفيع شركات معينة. والأمر الآخر أنه كان يتم طرح ممارسة على عدد محدد من الشركات ويستبعد غيرها الكثير. مما سبق كله يتضح أن هناك هدراً للمال العام حدث في السابق وسيستمر الهدر، وبشكل أكبر، مع القانون الجديد. وبه فإنني أقترح إنشاء مجلس عام محاید ومستقل، أو جهاز يلحق بهيئة الرقابة الإدارية والشفافية، يكون له سلطة المراقبة والإشراف على جميع عمليات المناقصات والمشتریات والترسیات في القطاع الحكومي بمؤسساته وهيئاته، على أن ينفذ ذلك بشفافية تامة، لتحقيق أقصى درجات الكفاءة الاقتصادية، وتعزيز مبدأ النزاهة والمنافسة، وتوفير تكافؤ الفرص والعدالة للجميع. ويكون له اعتماد المواصفات الفنية، ومراجعة واعتماد تقييم العطاءات، والبت في تظلمات المتناقصين المتعلقة بالتأهيل المسبق وبإجراءات المناقصة وغيرها، وإلغاء المناقصة وإعادة طرحها، وتطبيق جزاءات المخالفات أو التقصير في الوفاء بالالتزامات التعاقدية. إنني أقترح أن يكون عمل هذا المجلس مقسما إلى: 1. الموافقة على المناقصة قبل الطرح للتأكد من تقيدها بالمواصفات العادلة. 2. استلام قائمة أسعار العطاءات، خلال فتح العطاءات، ويعرضها بشكل مباشر (on line) على موقعه الإلكتروني، أو من خلال موقع الحكومة الإليكتروني. 3. ينشر على موقعه، وبشكل واضح، تقييم العطاءات بأقسامها (عطاء مقبول، عطاء مرفوض، عطاء معلق). 4. يقوم باستلام، كجهة محايدة، قبل الترسية النهائية، ردود المتناقصين واقتراحاتهم وتظلماتهم وطلباتهم بخصوص إعادة النظر لضمان مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص. 5. بعد التحقق من التظلمات، إن وجدت، يتم ترسية المناقصة على من يستحقها.
وفي الختام نقول إن مبادئ الشفافية والعدالة هي مبادئ مهمة تجعل من يفكر في استغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية بإعادة التفكير آلاف المرات، وبدورها ستؤدي إلى حماية المال العام. ولكن في كل هذا السياق، يجب ألا ننسى، أنه من المهم إيقاف ما يسمى بنظام الترسية المباشرة، لعقد من العقود، لشركة محددة ما يزيد من احتمال تعرض الشركات الأخرى التي لم تحصل على الحظوة للخسارة ومن ثم خروجها من السوق.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع