أين المحكمة الدستورية؟

 

أين المحكمة الدستورية؟

تنص المادة (140) من الدستور القطري بأن "القانون يعين الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها وكيفية الطعن والإجراءات التي تتبع أمامها، كما يبين القانون آثار الحكم بعدم الدستورية". وعلى ضوء قوة هذه المادة تم
إصدار قانون رقم (12) لسنة 2008 بإنشاء المحكمة الدستورية العليا. ومن أهم اختصاصاتها، كما بينته المادة (12) من القانون، هو الفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، والفصل في تنازع الاختصاصات، وتفسير نصوص القوانين إذا أثارت خلافاً في التطبيق. وجاءت مادة (13) من القانون فوضعت للمحكمة ولاية الفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح. وبهذا أصبح للمحكمة الدستورية اختصاص تفسير نصوص الدستور واختصاص الرقابة على دستورية القوانين واللوائح. ولكن المحكمة الدستورية يرتبط عملها فقط بالنظر في المنازعات التي تنشأ من تفسير تطبيق أي قانون أو تلك الطعون التي يقدمها أي متضرر من خلال محاكم المجلس الأعلى للقضاء.
وللمحكمة الدستورية الحق في إصدار قراراتها التي تقضي بعدم دستورية أي نص في أي قانون أو لائحة تعرض عليها. وعليه تصبح قراراتها نهائية وغير قابلة للطعن وهي ملزمة لجميع سلطات الدولة وغيرها. ولكن، وللأسف، أن المحكمة الدستورية في قطر، مع أنه تم تعيين رئيساً لها بدرجة وزير منذ 2008، إلا أنها مغيبة تماماً عن المشهد القطري. فهناك الكثير من القوانين السارية تتعارض مع مواد الدستور. وقد تقدم عدد من المحامين بطعون قانونية حول عدم توافق بعض اللوائح والقرارات مع الدستور، إلا أن إدارة قضايا الدولة، بوزارة العدل، تتقدم بمذكرة للجهات القضائية تطلب فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها، ويتم لها ما طلبت. وبه تستمر انتهاكات الحكومة لحقوق المواطن التي نص عليها الدستور، ونصت عليها مواثيق حقوق الإنسان العالمية. وفي الأخير يصر المسؤولون على أن دولة قطر هي دولة القانون والمؤسسات. وهنا تتبادر عدة أسئلة مثل: أين هي دولة القوانين والمؤسسات التي تفرق بين المواطنين في الحقوق والواجبات؟ أين هي دولة القوانين والمؤسسات التي تخالف نصوصاً، وليس نصاً واحداً، من الدستور القطري الذي صوت عليه الشعب القطري بالإيجاب؟
لقد قمت بتصفح مواد الدستور القطري ووجدت أن هناك، على الأقل، عشرة من تلك المواد تخالفها القوانين الحالية. ولنستعرض بعض هذه المخالفات، وليس كلها، من مبدأ قوله تعالى ".. وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" هود: 85. ففي المادة (27) نص الدستور على أن "الملكية الخاصة مصونة" ولكننا نجد أن الملكية الخاصة، والتي توارثها الأبناء عن الأجداد، مسلوبة وليست مصونة، والسبب يرجع إلى أن الذي يطبق القانون لم يفهم مصطلح خارج الحدود الخريطية للمدن والقرى بأنه يشمل فقط تلك الأراضي غير المملوكة للأفراد. والمادة (28) تقول "تكفل الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية، والتعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص". ونحن نقول أن الاقتصاد القطري ليس إسلامياً، وليس حراً، ومعظم الأنشطة المهمة هي محتكرة من الدولة، أو من المتنفذين فيها، وهناك صراع دائم وعلني بين القطاعين العام والخاص. أما المادة (34) والتي أكد فيها الدستور أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة فهي غير مطبقة. فالمواطن الأصلي له حقوق أكثر من المواطن المتجنس، مع أن كليهما، حسب الدستور، مواطن. وهناك أيضاً المواطن العسكري، المعزز والمكرم، والذي يأخذ حقوقه كاملة، مثل سنوات الخصم من الراتب للمعاش، واستلام نهاية الخدمة كاملة بدون تأخير، والجمع بين المعاش التقاعدي والراتب، وعلى النقيض من ذلك هناك المواطن المدني والذي "يكرف" طول حياته ولا يتوقف الخصم من الراتب للمعاش، ولا يتسلم مكافأة نهاية الخدمة بعذر عدم صدور اللائحة التنفيذية، ولا يستطيع الجمع بين المعاش والراتب. وفي الأخير يقولون أن "المواطنون متساوون". حتى التعليم العام لم يسلم منهم، فنجد أن المادة (49) تؤكد على أن التعليم حق لكل مواطن وتسعى الدولة لتحقيق إلزامية ومجانية التعليم العام. وهنا نتسأئل هل من حق الجميع إنشاء مدارس (غير مدارس الجاليات) ضمن التعليم العام؟ وهل الكوبونات التعليمية والتي تقل عن التكلفة الحقيقية تلائم الدستور؟ هذا جزء فقط من أوجه الاختلاف بين الدستور والقوانين المطبقة. والمشكلة، كما أراها، ليست بالدستور ولا بالقوانين ولا بالذي شرعها. ولكن المشكلة تتركز في الجهة التي عليها تنفيذ هذه القوانين. فمن المفروض من السلطة التنفيذية، في غياب المحكمة الدستورية، أن تكون الرقيب على تنفيذ هذه القوانين أولاً، ومن ثم تقوم بتقديم مذكرات للاعتراض عليها، والمطالبة بتصحيحها خدمة للوطن والمواطن. إننا على ثقة بأن أي قانون أو مرسوم أو أمر يصدره سمو الأمير المفدى فإنه يهدف، قبل التوقيع والتصديق عليه، مصلحة قطر وأهل قطر. وسيستمر سموه بأخذ القرارات التي يراها مناسبة للبلاد ولاستقرار أهلها.
وفي الختام، فإني مستغرب من بقاء قانون المحكمة الدستورية، طيلة السنوات الماضية، حبيس الأدراج. إنه من المهم تفعيل المحكمة الدستورية لإرساء دولة القانون والمؤسسات لأن فهم الأفراد للقانون بدون جهة مختصة بتفسير القانون قد يضر بمصالح البلاد والعباد. إن بعض المسؤولين، وليس كلهم، ليس لديهم الحس بالعمل ضمن الدستور القطري وربما لا يعرفون أن لكل قانون هناك ما يسمى روح القانون. إننا على ثقة بأن القيادة الحكيمة تسعى دوما لإرساء دولة القانون وسير العدالة، ولهذا أتمنى أن تباشر المحكمة الدستورية عملها في الفترة القادمة.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع