الحكومة والمرضى

 

الحكومة والمرضى

في إحدى المقالات تكلمنا عن إحدى الفئات التي تم تناسيها من قبل الحكومة وهم مرضى التوحد، وفي مقالة الأسبوع قبل الماضي تكلمنا عن فئة المسنين وهم أيضاً من المنسيين، واليوم نتكلم عن فئة أخرى واجهت الإهمال، وبهذا الإهمال زاد عليها الشقاء والألم، ألا وإنهم المرضى.
لا أحد ينكر أن المجلس الأعلى للصحة يبذل جهوداً كبيرة في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين، فقام بتطوير نظام التأمين الصحي (مع تحفظي الشديد عليه)، ووضع نظام المواعيد للقضاء على تباعدها، وأنشأ عدة مستشفيات، ولكن كل تلك المجهودات وغيرها الكثير تضيع هباءً منثوراً لأن الخدمات الصحية تنمو بمتوالية حسابية (2+2=4+4=8+8..)، في حين أن أعداد السكان تزيد بمتوالية هندسية (2×2=4×4=16×16..). لهذا فليس بغريب أن يستمر تدهور الخدمات الطبية مع كل طفل يولد في قطر، أو كل عدد يصل إلى دولة قطر من الوافدين. وهذا التدهور ليس بسبب الخدمات الطبية نفسها، ولكن لأن الخدمات لم يصاحبها توسع في إنشاء المزيد من العيادات الجديدة، ومضاعفة الكوادر الطبية. ففي 2009، على سبيل المثال، بلغ عدد الأطباء 037ر4 طبيبا حكوميا، في حين تناقص عددهم إلى 849ر3 طبيبا في عام 2010. أما عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية فقد كان 623ر1 سريراً في 2009، زاد في عام 2010 ليصل إلى 667ر1 سريراً، أما عدد السكان فقد زاد في الفترة نفسها، حسب أرقام جهاز الإحصاء، بحوالي 70 ألف نسمة. إن تراجع نسبة عدد الأطباء خطر كبير على الصحة والخدمات الصحية ومستوى التشخيص. فالأطباء يجبرون على رؤية عدد لا يستهان به من المرضى يومياً، الأمر الذي يحتم عليهم إعطاء وقت قليل لكل مريض، مما ينتج عنه أخطاء طبية، وفي أحيان تكون الأخطاء قاتلة. أيضاً وجود هذا الضغط على الأطباء يجعلهم غير قادرين على متابعة التطورات الحديثة في مجال معالجة الأمراض المتنوعة. وفي نفس الوقت نجد أن تراجع نسبة عدد الأسرة المخصصة لاستقبال المرضى في المستشفيات القطرية، مع ازدياد أعداد السكان المستمر، يخلق مشاكل للمرضى وللعاملين في المستشفيات على حد سواء.. فبهذه المشكلة يتأخر إجراء الفحوصات السريرية، وإجراء العمليات حتى الحالات الطارئة تضطر إلى الانتظار فترات طويلة في أقسام الطوارئ.
أما نظام المواعيد الذي كنا نتوقع منه الكثير، فقد فشل في تطبيقه ولم يحقق الصورة المتوقعة، حيث لا تزال أغلب العيادات الخارجية تعاني من زحام المراجعين، وتباعد المواعيد إلى عدة أشهر في بعض التخصصات. إضافة إلى اضطرار المرضى للذهاب عدة مرات بأنفسهم إلى المستشفى، أو العيادات لطلب حجز الموعد.. وعندما يحين الموعد المرتقب نجد أن المريض يدخل في معاناة شاقة للبحث عن موقف للسيارة وربما يركنها في أي موقع فقط للوصول إلى الطبيب للمقابلة التي طال انتظارها، وعند هذا نجد أن الأرض انشقت عن رجال المرور الجاهزين دائماً يالملصقات التي تطير عدة أيام من راتب المريض. وعندما يصل إلى الكاونتر ليسجل حضوره للموعد يطلب منه الجلوس في الانتظار حتى تتم مناداته. وتمر الدقائق، وربما الساعات، وهو ينتظر بدون طائل لأن موظفة الكاونتر أبلغته بأنهم ينتظرون الملف الخاص به الذي لم يصل حتى الآن. وعندما نتحدث عن نتائج الفحوصات سواء كانت مخبرية أو سريرية فنحن نتحدث عن بعض المرضى الذين تلقوا علاجات عن مرض ليس هو المرض الذي يعانون من مما ينتج عنه أمور كارثية مما يضطرهم للذهاب إلى أوروبا أو تايلاند للبحث عن ما فقدوه في بلادهم. هذا إلى جانب عدة أمور تنغص على المريض حياته وتؤخر من شفائه وتزيد من شقائه.
إن المريض يا حكومة قطر يحتاج: 1. تلقي العلاج بشكل مناسب وسريع وفقاً لأعلى المعايير المهنية على يد ممارسين طبيين مرخصين ومـؤهـلين وذوي خبرة. 2. إبلاغه بكافة التكاليف والنفقات غير المغطاة بالضمان الصحي قبل إجراء العلاج اللازم له. 3. أن يقوم الطبيب المسئول عن علاجه بإبلاغه بالمعلومات الدقيقة عن حالته والنتيجة المتوقعة من علاجه. 4. من حقه الحصول على رأي ثان من طبيب آخر بالمستشفى. 5. تلقي العلاج في الحالات الطارئة بغض النظر عن وضعية بطاقة الضمان الصحي التي يحملها. 6. يجب إخطاره عما إذا لم يكن مستشفى حمد قادرًا على تقديم العلاج، مع الاقتراح للجنة الطبية بذلك تمهيداً لإرساله إلى الدول البديلة لتلقي العلاج. 7. الاحترام المطلق للمريض مع الإقرار بحفظ كرامته، ومعتقداته الدينية. وفي نفس الوقت فإن على المريض مسئوليات عديدة من أهمها: 1. التقيد بحضور كافة المواعيد وفي حالة عدم القدرة على ذلك فإن عليه الاتصال بالعيادة الخارجية للاعتذار وتحديد موعد آخر لأنه إذا لم يحضر في الموعد المحدد فإنه سيحرم مريضاً ينتظر على أحر من الجمر لرؤية نفس الطبيب. 2. معاملة الفريق الطبي والإداري بلطف واحترام لأنهم هم أيضاً بشر وتحت ضغط كبير. 3. الحد من الزوار في الغرف التي بها أكثر من سرير واحد والحفاظ على جو هادئ وعدم إحضار الأطفال ومراعاة الخصوصية لكل واحد منهم.
وفي الختام نقول إننا نخشى أن المجلس الأعلى للصحة، مع زيادة أعداد السكان وبالتالي كثرة أعداد المرضى، قد فقد القدرة على تحسس مدى خطورة الوضع ومعاناة المرضى والعاملين في مجال العلاج الطبي. تصدقون.. أن ما يسمى "ميثاق المريض" في قطر قد تم إعداده استجابة لمتطلبات اللجنة المشتركة الدولية وليس لفائدة المرضى..
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع