تجنيس غير القطري

 

تجنيس غير القطري

إن ملف التجنيس ملف ساخن، وحساس ومثير ومهم جداً، وله خطر كبير على حاضر ومستقبل الوطن، فآثاره السلبية لا تقتصر على فئة من المجتمع دون أخرى، وهي تمس مصلحة كل من الشعب والحكومة. ويعرف التجنيس بأنه انسلاخ الشخص عن جنسيته الأصلية، والدخول في جنسية أخرى. وهناك الكثير من علماء الدين والتاريخ والاجتماع يرون أن التجنيس هو عبث بهوية أي وطن، وفي نفس الوقت يعتبر أنه عدم احترام للتاريخ المكتسب، وهو يؤدي إلى نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة جداً يجب التنبه لها من الآن والاستعداد لآثارها السلبية قبل وقوعها.
وفي الدستور القطري لا توجد سوى مادة واحدة تتعلق بالجنسية وهي المادة (41) التي تنص على أن "الجنسية القطرية وأحكامها يحددها القانون. وتكون لتلك الأحكام صفة دستورية". وعليه فقد صدر قانون الجنسية القطري رقم (38) لسنة 2005، الذي أعطى سمو الأمير المفدى السلطة المطلقة في منح الجنسية لطالب التجنس أو رفضه، وذلك في ضوء احتياجات ومصالح وأهداف الدولة. وفي هذا إشكالية دستورية، حيث إن منح الجنسية يعتبر تشريعا، والتشريع هو من سلطة مجلس الشورى، كما بينته المادة (61)، حيث نصت "السلطة التشريعية يتولاها مجلس الشورى على الوجه المبين في هذا الدستور". ولهذا فإن دخول مجلس الشورى كمستشار يساعد سمو الأمير لمنح أو عدم منح الجنسية لأي شخص تتوفر فيه أركان التقدم مهم جداً، لأنه من جهة يرفع الحرج عن السلطة التنفيذية، ومن جهة أخرى يمارس التوصية الجماعية، ومن جهة ثالثة ينظم ويراقب عملية منح الجنسية لمختلف الأشخاص. أما شروط التجنيس بحد ذاتها فقد حددتها المادة (2) بالتالي: 1. أن يكون مقيماً في قطر لمدة لا تقل عن 25 سنة (أولاد المتجنس 15 سنة). 2. وأن يكون له وسيلة مشروعة للرزق. 3. وأن يكون محمود السيرة، حسن السمعة. 4. أن يكون ملماً باللغة العربية. وتعطى الأولوية لمن كانت أمه قطرية. ويعتبر قطرياً بالتجنس من ولد لأب قطري بالتجنس أو لأبوين مجهولين أو اللقيط. أما المادة (6) فقد أتاحت لسمو الأمير المفدى الإلغاء الكامل للشروط الواردة في المادة (2) وذلك بمنح الجنسية القطرية لمن أدى خدمات جليلة، أو من يمتاز بكفاءة خاصة تحتاج إليها الدولة، أو الطلاب النابغين ذوي القدرات العلمية الواعدة. في حين أن المادة (17) نصت على أن "لا تمنح الجنسية القطرية .. لعدد يزيد على خمسين شخصاً في السنة الواحدة". وللأسف أن هذه مواد هذا القانون لم تفرق بين من كان أصله عربي، أو غير عربي، أو من كان مسلماً، أو غير مسلماً، وفي هذا إشكالية كبيرة على هوية المجتمع القطري المسلم. ولهذا فإنه لابد من التحفظ على تجنيس ممن لا يدينون بالدين الإسلامي. ويكفي ما ذكره شيخنا غفر الله له إن شاء الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود في فتواه المتعلقة بتحريم تجنيس غير المسلمين ممن هم ليسوا من أهل البلاد.
إن القانون، كما تبينه مواده، قد أنصف زوجة القطري غير القطرية وأبناء القطري من أم غير قطرية، بحيث منحهم الجنسية القطرية مع تأخير طفيف لدخول الزوجة غير القطرية تبلغ خمس سنوات من تقديم الطلب، وهذا، في وجهة نظري، تأخير غير عادل فزوجها قطري وأبنائها قطريين وتظل هي غير قطرية، لمدة من الزمن علماً بأن القطري لم يتزوج من زوجته غير القطرية إلا بموافقة وزارة الداخلية ووفقاً لأحكام القانون رقم (21) لسنة 1989 بشأن تنظيم الزواج من الأجانب. وكان من المفروض، لضمان الاستقرار العائلي، أن يتم منح زوجة القطري الأصلي أو المجنس الجنسية القطرية، بمجرد الزواج على أن لا يكون اكتسابها بصفة نهائية، سوى بعد مرور خمس سنوات من الزواج الناجح. وهذا الأمر كما هو معروف، متبع في بعض الدول المتقدمة. والقانون أيضاً أنصف الأرملة غير القطرية وأولادها من الزوج غير القطري الذي طلب التجنس وذلك في حالة وفاته وطلبه مكتمل فمثلاً بالمادة (3) ذكر أنه "إذا توفي طالب الجنسية القطرية قبل منحها له جاز بقرار أميري منح الجنسية القطرية لها ولأولاده القصر". وفي الجانب الآخر فقد ظلم القانون أبناء القطرية من زوج غير قطري، حيث تجاهلهم تماماً مع العلم أن الدستور والقوانين لم تفرق بين القطري الذكر أو الأنثى. ففي حين أن أبناء القطري الذكر يحصلون على الجنسية بمجرد ولادتهم حتى أبناء المتجنس يحصلون على الجنسية بالتبعية منذ يوم ولادتهم، إلا أن أبناء القطرية لا يحصلون على شيء حتى ولو ترملت القطرية أو طلقت أو هجرت. إنه من المعروف عالمياً أن جنسية الأبناء تتبع جنسية أبيهم ولكن في حال أن الارتباط قد انقطع بين القطرية وزوجها غير القطري وبالأخص ممن توفي عنهم الأب، فمن المفروض أن يمنح أبناء القطرية الجنسية بالتبعية للأم.
وفي الختام، نقول إن القانون لم يساوِ بين القطري والمتجنس، ففي المادة (16) أنه "لا يجوز التسوية بين من اكتسب الجنسية القطرية وبين القطري، بالنسبة لحق شغل الوظائف العامة أو العمل عموماً، .. "وأضافت هذه المادة أنه "لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية"، وفي هذا نوع من الضمان للقطريين الأصليين، وحتى لو زادت عملية التجنيس، أن لا تضيع حقوقهم.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع