الحكومة والمجتمع المدني

 

الحكومة والمجتمع المدني

في العام 2000 قامت 171 دولة بالتوقيع على إعلان الألفية الإنمائية الثالثة الذي أكد على وجوب تحرير المواطنين من الخوف تأكيداً على الحق بالعيش بأمن وسلام، وتحريرهم من العوز من خلال تأمين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وحقهم في العيش بكرامة. وتتضمن الاتفاقيات الدولية حقوقاً يجب أن تكفلها الحكومات لمواطنيها، كالحق في المشاركة الفاعلة للمواطنين من موقع المسئولية في تحقيق التنمية الشاملة. والحمد لله أن الدستور القطري لم يغفل كل ما ذكر من حقوق في مواده المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع (الباب الثاني)، وفي الحقوق والواجبات العامة (الباب الثالث)، بل نجده ينص في المادة (45) بأن "حرية تكوين الجمعيات مكفولة، وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون". وحرية تكوين الجمعيات أتت لأنها جزء أساس من "الشعب مصدر السلطات" (المادة 59). وعليه فيصبح من حق الشعب ممارسة الدور الرقابي والتنموي من خلال منظمات أو جمعيات المجتمع المدني وليكون له رأي على الأقل استشاري أو دور رقابي في المحافل العامة بل حتى السعي لاعتماد تلك الجمعيات كبيوت خبرة غير حكومية، عند الحاجة، وبدون مقابل مادي. ولقد شهدت دولة قطر، في السنوات الماضية، توسعاً في إنشاء منظمات المجتمع المدني، فقد بلغت حتى الآن 22 جمعية ولكن يتركز أكثر نشاطها في الجمعيات الخيرية والجمعيات المهنية. أما جمعيات حقوق المجتمع التوعوية فلا زالت الحكومة متخوفة من إنشائها وتنظر لها بريبة وتخوف شديدين للادوار التي ستقوم بها مثل هذه الجمعيات.
إن جمعيات المجتمع المدني مهمة وبخاصة إذا ظهرت بوادر تقصير من الحكومة وأجهزتها عن تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين. وتعرف منظمات المجتمع المدني أو ما يعرف في مجتمعنا بالجمعيات بأنها "إنتظام الأفراد بمختلف اشكالهم وانتماءاتهم بنشاط خارج التركيبة الحكومية للدفاع عن المصالح المشتركة". إن هدف جمعيات المجتمع المدني هو تحقيق فائدة اجتماعية للناس، أي تقديم خدمات للمواطنين، أو تحقيق مصالحهم، أو ممارسة أنشطة إنسانية مختلفة. لأن أهم مقومات تلك المؤسسات الأهلية أنها تقوم على العمل الإرادي الحر والتطوعي، وأنها لا تسعى للحصول على سلطة أياً كان شكلها، بل تمارس نوعاً من العمل التوعوي. وكلما كان بها تنوع في الاتجاهات، كان خيرها أكثر وأعم. وبه يصبح المواطن، من خلال تلك الجمعيات، "شريكا" في عملية التنمية، ويتمكن من المشاركة والانخراط في تنمية المجتمع. والميزة المشتركة التي تجمع بين هذه الجمعيات كافة، على شدة تنوعها، تتمثل باستقلالها عن الحكومة وعن القطاع الخاص ينشئها أفراد المجتمع وتعمل لتحقيق هدف مشترك. وتشمل هذه الجمعيات: المنظمات غير الحكومية، والجمعيات الخيرية، والدينية، والمهنية، ومؤسسات العمل الخيري. ولهذا لا بد من توسيع المجال لمثل هذه الجمعيات للاستفادة من الخبرات الواسعة للموطنين في شتى المجالات. إن عدم الوصول الى قناعة بأهمية مشاركة الشعب في صناعة القرار من خلال الجمعيات المدنية هو بسبب التجارب السيئة التي قامت بها مثل هذه الجمعيات في بعض الدول الأخرى. ولتلافي تأثير مثل تلك التجارب السلبية لمنظمات المجتمع المدني فإنه لابد من اعتماد معايير لقياس أدائها، وتحديد دورها من خلال معايير محددة. ومن هذه المعايير، المستوى التنظيمي للجمعية، وتقييم الاثر الاجتماعي، والبعد التنظيمي والهيكلي لاسيما الشفافية، والادارة الرشيدة، والقيم كالرؤية والاهداف ووسائل العمل، وانشطتها، والبيئة التي تعمل فيها.
إن الوزارة المختصة بمنح التراخيص لإنشاء الجمعيات، حسب رأيي واعتقادي، ليست على قدر من المسئولية في تبنيها لجمعيات المجتمع المدني. ولقد تقدمت إلى هذه الوزارة لإنشاء جمعية المستهلكين ومن قبلها جمعية المشاريع الشبابية والآن اجهز لجمعية مرضى التوحد الذين تناستهم الحكومة من كل برامجها، واحتمال بعدها أن أقوم بالسعي لإنشاء جمعية المتقاعدين والقائمة طويلة، ولن أتوقف عن تقديم تلك الطلبات، بهدف إنشاء جمعيات المجتمع المدني لتوعية المجتمع في كل مجال من مجالات حياتهم. ولكن الوزارة، حفظ الله مسئوليها، معتمدة إعتماداً كبيراً على نص المادة (7) من قانون رقم (12) لسنة 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة والتي تنص على إعتبار "مضي هذه المدة (ثلاثون يوماً من طلب الإنشاء) دون رد بمثابة رفض ضمني للطلب المشار اليه". ولهذا كل من تقدم لإنشاء جمعية للنفع العام يجابه بالصمت المطلق حتى تمر المدة المطلوبة. وحتى تضع الوزارة العراقيل أمام إنشاء مثل هذه الجمعيات أصرت على أن من يؤسس أو ينضم لاحقاً يجب أن يكون قطرياً، ولو اكتفت الوزارة بالمؤسسين ومجلس الإدارة لكان هناك منطق في طلبهم هذا. ولزيادة التعقيد فإن على أي فرد (مؤسسين أو منضمين) ألا يكون قد صدر ضده حكم نهائي في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة مالم قد رد إليه اعتباره. كأن المؤسسين أو المنضمين يطمحون لتقديم أوراقهم الثبوتية للحصول على عمل أو أنهم يطمحون لكسب مصالح شخصية متنوعة وليس كجهد تطوعي يشكرون عليه. القضية الأخرى أن الوزارة تنظر للجمعيات كأنها خصم وليس شريكاً في ايصال الخدمات لصالح المجتمع ولهذا فهي لا تقوم بمساعدة الجمعيات، ما عدا الجمعيات الخيرية، أمام التحديات التي تواجهها.
وفي الختام نقول ان التنمية تحتاج الى رؤية شاملة واستراتيجيات وطنية وآليات للتدخل على المستويين الوطني والمحلي، وتكون مرجعيتها الاساسية الدولة كناظم وحام لحقوق المواطنين، الا انها تحتاج ايضا الى تعاون وتنسيق بين الجهات الاساسية الفاعلة، لاسيما بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ومن غير هذا التعاون لا تكون العملية التنموية مكتملة وبالتالي يصعب ان يكتب لها النجاح.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع