مسئولية الدولة عن أعمال الحكومة

 

مسئولية الدولة عن أعمال الحكومة

هناك فرق كبير بين أعمال الحكومة التعاقدية التي تتم بتوافق إرادتين، وتسمى العقود الإدارية، وتشمل عقود المناقصات، والوظائف إلى آخره، والدولة في هذه الحالة، غير مسئولة عن أعمال الحكومة، ولكن هناك نوعا آخر من المسئولية تقع على الدولة بسبب أعمال الحكومة، وتسمى المسئولية غير التعاقدية، إن القاعدة القضائية، التي كان معمولا بها في السابق، تؤكد عدم مسئولية الدولة عن أعمال الحكومة، ولكن لتدخل الدولة في كل شئون الأفراد (التدخل يأتي بصورة قوانين أو قرارات أو مراسيم) ومن ثم تكليف الحكومة بمتابعة تنفيذ مثل هذه التدخلات، الأمر الذي أدى، في بعض الأحيان، إلى تعدي الحكومة على حقوق الأفراد، ومع تطور المبادئ الديمقراطية العالمية وبالأخص مبدأ المساواة بين المواطنين أمام الأعباء العامة، بدأ القضاء العادل، وليس القضاء القمعي، يقف أمام تعدي الحكومة على الأفراد، بل وبدأ يوازن بين اعتبارات الصالح العام واعتبارات العدالة في تعويض الأفراد عما يصيبهم من أضرار نتيجة ممارسة الحكومة نشاطها التنفيذي، ونجد أن القضاء العادل قد أقام المسئولية ليس على أساس الخطأ وإنما على أساس المخاطر أو تحمل التبعة، والتي تعني أن مسئولية الحكومة عن أعمالها غير التعاقدية تقوم بمجرد حدوث ضرر سببه إحدى هذه الأعمال حتى ولو كان هذا العمل مشروعا أو غير خاطئ، والسلطة القضائية في قطر لم تكن بعيدة عن هذه التطورات العالمية ولهذا نجد أن يد القضاء القطري قد امتدت لتعطي الضمانات المناسبة لحقوق الأفراد وذلك عن طريق إلغاء القرارات الحكومية التي تخالف نص أو روح القانون أو تعويض الأفراد عما تحملوه من أضرار أو بالإلغاء والتعويض معاً، وبهذا، ولوجود القضاء العادل في قطر، أصبحت الدولة محاسبة على أعمال الحكومة في الأعمال التي تندرج تحت مفهوم المسئولية غير التعاقدية، إلا أن هناك استثناءً خطيراً على هذا المبدأ العادل وهو الاستثناء الخاص بأعمال السيادة الحكومية، وهي تمثل الأعمال التى تباشرها السلطة التنفيذية، ولا تخضع في خصوصها لأية رقابة قضائية، ومن ثم يقف القضاء أمامها عاجزاً، معلنا فقط عدم اختصاصه بنظرها حتى ولو كانت مخالفة للدين وتمس حقوق الأفراد وحرياتهم مثل عمليات الاحتكار في أنشطة معينة، وقد يطلع علينا أحد المستشارين، وما أكثرهم، بالقول إن سلامة الدولة فوق القانون، ولهذا فإنه يسمح لولي الأمر بالخروج على القانون كلما اقتضت الظروف ذلك، مادام في هذا الخروج تحقيق للغاية التي وجد القانون لتحقيقها وهي سلامة الدولة، ولا تصلح هذه الحجة مبرراً لعدم التعويض العادل عن أعمال السيادة، إذ إن المطلوب هو تعويض الأضرار المترتبة على هذه الأعمال وليس التعرض لتلك الأعمال في ذاتها لما في ذلك من تحقيق صالح الأفراد الذين أضيروا من جراء تلك الأعمال ولا علاقة لذلك بالحفاظ على سلامة الدولة، فهذا أمر آخر لا يؤثر فيه دفع مثل هذا التعويض، من أعمال الدولة غير التعاقدية والتي تحاسب عليها هي عدم المساواة في التعويض بين مختلف العناصر المشكل منها المجتمع، فمثلاً عندما تفجرت الأزمة المالية في نهاية 2007 قامت الدولة باتخاذ خطوات من شأنها الحفاظ على سلامة واستقرار الجهاز البنكي للبلاد والحيلولة دون وقوع الاقتصاد القطري في دوامة التداعيات الناشئة عن الأزمة. فقامت بالمساهمة في: 1. رأس مال البنوك. 2. شراء المحافظ الاستثمارية. 3. شراء المحافظ العقارية. 4. شراء القروض المتعثرة أو المشكوك فيها لكبار المستثمرين، وهذه فعلاً خطوات جريئة عززت الثقة في الاقتصاد القطري، ولكن هذه الخطوات، وللأسف، لم تمتد إلى الأثر الذي خلقته الأزمة الاقتصادية على المواطنين العاديين، وفي هذا مخالفة صريحة لدستور دولة قطر وبالذات ما ذكر بالمواد (18) و(19) و(28) و(31) و(34) و(52)، فبما أن الدولة قامت بتعويض جزء من المجتمع فإنه عليها أن تعوض الآخرين من مبدأ العدالة والتي تحتم ضرورة المساواة بين المواطنين أمام التكاليف والأزمات الطارئة، إن أساس التعويض في هذه الحالة يستمد مشروعيته بسبب ثقة المواطنين الكبيرة بكل ما تصرح به الحكومة حيث أن جميع التصريحات الرسمية التي صدرت من أعلى المستويات القيادية كانت تؤكد على أن المشاريع الحكومية الكبيرة من بنية تحتية ومشاريع عمرانية سوف تستمر حتى 2020 وأن المبالغ المرصودة لهذه الأنشطة هي بمئات المليارات من الريالات القطرية وأن جميع تلك التصريحات لم تذكر بأن هناك احتمالاً ولو بسيطاً بإيقاف أو إبطاء مثل تلك المشاريع الأمر الذي شجع المواطنين بالاستثمار، عن طريق القروض البنكية، بشراء الشاحنات والمعدات وغيرها الكثير وعندما توقفت المشاريع الحكومية بسبب الأزمة المالية دخل كثير من المواطنين في دوامة القروض المتعثرة، فالتعويض المطلوب هنا ليس أساسه الخطأ الذي أدى بالأفراد الاستثمار حسب تصريحات المسئولين، إنما تعني أن مساواة الجميع تحتم أن ينال بقية أفراد المجتمع تعويضا من الدولة كما ناله جزء منهم، وفي الختام نقول إن نظامنا القضائي، والحمد لله، أتاح للجميع رفع قضايا لدفع الضرر من أعمال الحكومة ونطلب من محاكمنا رفع عملية الاحتكار في الأنشطة المختلفة وإباحة دعوى التعويض للمواطنين الذين تضرروا من الأزمة المالية العالمية، وأن على الدولة، من طرفها، معاملة الجميع على أسس العدل والمساواة التي كفلها الدستور القطري أو على الأقل القيام بشراء الديون المتعثرة من خلال المصرف المركزي أو بعض الشركات الحكومية وتقسيطها على المدينين وهذا إجراء عملت به الكثير من الدول مثل كوريا والمكسيك وبعض دول مجلس التعاون الخليجي.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع