الحكومة وأسعار السكن

 

الحكومة وأسعار السكن

أراد أحد الأصدقاء أن يكون من أصحاب العقارات فقام، بالاتفاق مع مكتب عقاري، بشراء الأرض المناسبة. وبما أن أخانا في الله لا يملك قيمة الأرض البالغة عدة عشرات من الملايين، فقد توجه إلى أحد البنوك العاملة بدولة قطر للحصول على المبلغ اللازم. وأخذت الخرائط المعمارية لمجمع الرخص ببلدية الدوحة الذي طلب عدة طلبات تم تنفيذها بالكامل. وقدمت الخرائط بعد ذلك إلى مجمع الرخص لكل الخدمات (الماء، الكهرباء، الصرف الصحي، التلفونات، الطرق والدفاع المدني) ولو إحدى الجهات طلبت تعديلاً فلا بد من قيام المكتب الهندسي بإعادة رسم الخرائط المعمارية من جديد، والتقدم بها مرة أخرى. يعني العودة لمرحلة الصفر. أما مهندسو الدفاع المدني فقصتهم قصة، فهذا يوافق، وعندما يتم التعديل حسب المطلوب، يستلم الخرائط مهندس آخر لا يوافق زميله، ويطلب تعديلات أخرى. وبعد عدة شهور، وحب خشوم، وتوسط الناس الطيبين، حصل على رخصة البناء المطلوبة. وعندما طلب شهادة إتمام البناء، فوجئ برفض من الدفاع المدني، الذي طلب منه تغييراً يكاد يكون جذرياً على معدات وإجراءات الأمن والسلامة والوقاية من الحريق. وبعد مدة طويلة حصل على شهادة إتمام البناء، ولكن المبالغ التي استثمرها كانت أكبر مما كان مقدراً، فقام برفع أسعار الإيجارات ليسترجع ما أنفقه مقارنة بالعمر الزمني للبناء.

إن ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية ما هي إلا نتيجة:

أولاً: قلة المعروض من الوحدات السكنية: إن دولة قطر تستقبل سنوياً ما لا يقل عن 000ر200 شخص وافد سنوياً. أما عدد المباني المكتملة في 2011 (آخر إحصائية استطعنا الوصول إليها في دولة تسعى للتقدم والنمو) هي 066ر6 وحدة سكنية جديدة، منها 781ر4 فلل و662 بيتا شعبيا. وبإجراء معادلة بسيطة يتضح لنا أن أقل عدد من الوحدات السكنية المطلوبة لفئة الموظفين الوافدين هو في حدود 000ر8 وحدة سكنية (بالإضافة إلى احتياجات القطريين السنوية والمقدرة في حدود 000ر3 وحدة). لذلك ليس بغريب أن نجد أن بعض الفيلات السكنية تسكنها عدة عوائل. أما فئة العمال الوافدين، وبحسب التشريعات العالمية، فهم في حاجة إلى 000ر640 متر مربع سنوياً من المباني وما يبنى لا يتجاوز 000ر150 متر مربع. ولذلك ليس بغريب أن نجد أصحاب المزارع والعزب يحولون أهداف ما يملكونه ليصبح مكاناً لإيواء العمال الوافدين. إن قلة المعروض من الأراضي المخصصة للسكن في المناطق المخططة هي التي أدت إلى ارتفاع أسعارها، فأصبحت الأرض أغلى من قيمة تعميرها، ولا أعتقد أننا في مكة المكرمة، أو هونج كونج، أو اليابان، نشكو من قلة الأراضي.

أولاً: إجراءات رخصة البناء: وهي التي تصد المستثمرين من الاستثمار بالعقار. وإجراءات رخص البناء تنقسم إلى ثلاثة محاور. المحور الأول: المكاتب الهندسية: وهنا نتساءل عن وضع المكاتب الهندسية المرخص لها بالعمل في دولة قطر، هل هي مؤهلة، وإلا المسألة قدم طلبا للترخيص واحصل عليه. أو إنها متخصصة لختم خرائط مهندسين غير أكفاء يعملون من خلال المنزل، بدون مراجعتها. وسبب تساؤلنا ينبع من كثرة عمليات إرجاع الخرائط للتعديل، فالمفروض من المكتب الهندسي أن يكون ملماً بكل التشريعات المعمول بها في دولة قطر. فالدفاع المدني، على سبيل المثال لا الحصر، لم تتغير مواصفاته قبل وبعد حريق "فيلاجو"، بل قام بالتشدد في المراجعة لإعطاء الموافقات المطلوبة، ومع ذلك لم تتقيد المكاتب الهندسية بالمواصفات المطلوبة. المحور الثاني: المهندس العمراني ببلدية الدوحة: والذي يطبق شروط البناء فقط بدون أن يكون ملماً بوضع المداخل والمخارج للطرق أو بمدى توفر خطوط الكهرباء والماء والصرف الصحي مما يترتب عليه إعادة مرحلة الديسي ون (DC-1) بعد إنهائها عدة مرات. المحور الثالث: مهندسو الخدمات: والذين يعملون على مزاجهم فهذا يوافق والثاني يعارض بدون أن يكون هناك "كود" للعمل الجماعي. فهناك برجان في اللؤلؤة، على سبيل المثال لا الحصر، متطابقان كلياً بأسلوب النسخ واللصق أحدهما حصل على موافقة الدفاع المدني أما الآخر فرفض والسبب أن كل مهندس له رؤيته الخاصة.

إن الحكومة هي المتحكمة بالعقار من جميع جوانبه فهي التي تتحكم: 1. في توفر الأراضي ليس فقط بالمدن ولكن أيضاً خارج المدن. 2. في استخدامات الأرض فهي التي تحدد إذا الأرض سكنية أو تجارية وعدد الأدوار لكل مبنى. 3. في تسريع أو إبطاء إجراءات رخص المباني بعمل شروطها ومواصفاتها. 4. في سعر الإقراض للاستثمار العقاري ومدته الزمنية من خلال مصرف قطر المركزي. 5. في سعر الرسوم (أو ما يعرف بالضرائب المستترة) التي تفرض على الرخص وعلى المباني. 6. في الموافقة على توصيل الخدمات مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي. 7. في استئجار العدد الكثير من الوحدات السكنية من المواطنين. بعبارة أخرى إن أي ارتفاع في أسعار الأراضي، أو إيجارات الوحدات السكنية، هو من عمل الحكومة الخالص.

وفي الختام نقول إن لدينا الكثير من القطريين يرغبون في الاستثمار العقاري، ولكن يمنعهم عن ذلك أسعار الأراضي المحدود، وإجراءات رخص المباني. والحل لذلك هو قيام الحكومة بفتح باب تأجير الأراضي للقطاع الخاص بالمناطق خارج الحدود التخطيطية، بشروط تفرضها الحكومة بنفس أسلوب منطقة الصناعات الخفيفة والمتوسطة. وفي نفس الوقت عمل "كود" لكل الخدمات، وتثقيف مهندسي الحكومة عليها، ومحاسبة المكاتب الهندسية التي لا تتقيد بهذا "الكود". إن هذه الإجراءات التي ذكرناها كفيلة بتسريع الاستثمار العقاري وباستفادة أكبر شريحة من المواطنين بالطفرة العمرانية وبتوفير الوحدات السكنية لكل الفئات بيسر وسهولة.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع