هروب العمالة المنزلية

 

هروب العمالة المنزلية

لقد أصبح هروب العمالة المنزلية، في هذه الأيام، مشكلة تؤرق أسراً كثيرة في المجتمع، خاصة أن الحاجة للعمالة أمست ملحة بكل الأشكال والصور، سواء كانت خدماً أم سائقين ومن على شاكلتهم. وأصبح من المستحيل أن تستمع إلى البرنامج الإذاعي الناجح "وطني الحبيب.. صباح الخير" بدون أن تسمع عن مشاكل هروب العمالة. وعلى الرغم من الإجراءات التي تتخذها الجهات الرسمية بحق المخالفين من المواطنين بالعقود مع العمالة، وبالأخص تسلط الكفيل على المكفول، فإن الظاهرة لا تزال تتفاقم يوما بعد يوم. وهو يعني أن للهروب دوافع أخرى. وإذا دققنا في هذه الدوافع، فسنجد أن المال يقف وراء هذه الظاهرة لا أكثر ولا أقل.. إنه من الجميل وجود من يتولى دفع كل نفقات الاستقدام، وبعد وصول العامل إلى قطر يختفي ليلتحق بعمل آخر غير الذي استقدم من أجله، وبأجر مضاعف، بل ويكون الكفيل الأصلي هو الملوم.. وجميع من تقابلت معهم على يقين أن ترتيبات الهروب تتم والعامل لا يزال في بلاده. وعندما يصل العامل إلى قطر، فإنه يجد كل الدعم من أصدقائه الذين سبقوه بنفس الفعلة، والذين لم يجدوا أي صعوبات، بل على العكس، وجدوا أن الأمر أفضل بكثير. أما البعض الآخر من المواطنين، فإنه يؤكد أن مكاتب الاستقدام الخارجية لها دور كبير في هذا الهروب، حيث إنهم يشجعون العمال على الاستدانة، أو بيع كل ما يملكون، ليتمكنوا من دفع رسوم تساوي عشرات أضعاف الرواتب المتوقع أن يتقاضوها من كفلائهم، عن طريق إقناعهم بأنهم ليسوا مضطرين للعمل لدى كفلائهم!! لأنهم ـ في قطر ـ يستطيعون القيام بأعمال كثيرة، وفي كل عمل فإنهم سوف يجنون مالاً وفيراً. ولذلك أصبحت الفيز، أو التأشيرات، للعمالة الوافدة، ينظر لها على أنها سلعة تتداول بشكل غير رسمي وغير علني، ليس بالسوق الداخلي فقط، بل في الأسواق الخارجية أيضاً. وأصبحت أسعار التأشيرات، مثل التضخم، تزيد كلما شددت الدولة في ضوابطها حول جنسية معينة. والعمالة المنزلية لا تهرب لمدة يسيرة، وإنما تمتد لسنوات قد تتجاوز السنتين، إلا إذا صادفتهم حملة وتم القبض عليهم، وذلك يعود لشعورهم بالأمان من المحاسبة، وبل ويجدون الرعاية من بعض أفراد الجهات المعنية بتطبيق الأنظمة في البلاد، مع علم هذه الجهات بالأضرار التي وقعت على الكفيل نتيجة للهروب. بل إننا نجد أن جانب التضييق والمحاسبة من تلك الجهات يميل ضد المواطن أكثر من العامل الهارب. ولهذا فلا غرابة أن تنمو المشكلة وتتفاقم!! إن حل مشكلة هروب العمالة هو في أيدينا وهو أمر سهل، وذلك من خلال: 1. أفراد المجتمع. 2. التشريعات القانونية.

أولاً: من خلال أفراد المجتمع: إنه من المهم نشر التوعية بين المواطنين والمقيمين بأن القانون القطري يعاقب كل من يستخدم عاملاً هارباً، فالمتستر كالفاعل، والضرر لا يمتد فقط على الكفيل الذي طارت أمواله في الهواء، بل يشمل المجتمع كله. إن أول عمل يجب أن يقوم به المواطن المتضرر هو قيامه بالإبلاغ عن الهروب للجهات المسؤولة، وأن يقوم بنشر صور ذلك العامل في الصحف المحلية. وهنا يأتي تكاتف أهل الفريج من أجل حماية أفراده من كل المظاهر السيئة، وذلك بمقارنة المشاة في الفريج مع الصور المنشورة بالصحف وإبلاغ الجهات المسؤولة بوجود المشتبهين في حيهم السكني. وهذه الطريقة نجحت في عديد من الدول.

ثانياً: من خلال التشريعات القانونية: إن عدم وجود قانون رادع، دعا العمالة الوافدة للاستخفاف بقوانين البلد وبالمواطن. فالعامل يعرف مسبقًا، عندما وقّع على العقد، أنه لن يعمل لدى كفيله، ولديه نية الهرب مسبقًا، لأنه يعرف أنه بمجرد القبض عليه، بعد عام أو عامين، فإن السلطات تعود على كفيله الذي استقدمه وتطالبه بالتذكرة، وبالوفاء بالتزامات أخرى، مع أنه ليس هو المتسبب في الهرب، وحتى إنه ربما لم يرَ العامل نفسه. إن الدولة تعاقب كل مواطن قامت بالصرف عليه من خلال الدورات والبعثات الدراسية، ولا يعمل لديها، وذلك برد جميع النفقات والمرتبات التي دفعت له خلال مدة إيفاده (انظر قانون تنظيم البعثات الدراسية). وبما أن الكفيل هو من قام بالصرف على العامل حتى وصوله إلى دولة قطر، فمن حقه أن يسترد أمواله التي صرفها كاملة. إن سفارات العمالة الهاربة، كما هو معروف، تطلب تقديم ضمانات عقود العمل الخاصة بهم، وبشروط هم يفرضونها، وعليه فإنه من المفروض أن يطلب الجميع ضمانات من العامل، بشكل عقد موثق ومضمون من سفارة بلاده، يكفل تسديد جميع المصاريف في حالة هروب العامل من العمل قبل نهاية العقد. وفي حالة الهروب يقدم هذا العقد، مع بلاغ الهروب، للمحكمة، مع الطلب بمنع العامل من السفر، إلا بعد تسديد المبالغ المطالب بها. وبهذا سوف تنتشر بين العمالة الوافدة، أن عقاب الذي يهرب ليس التسفير بعد أسبوعين معززاً مكرماً، بل بعد تسديد المبالغ، أو السجن على الأقل لفترة ليست باليسيرة من الزمن. وفي نفس الوقت فإن مجلس الوزراء مطالب بإصدار قانون صارم ضد هروب العمالة الوافدة، يتضمن لائحة عقوبات، وتوزيعها على مكاتب استقدام القوى العاملة بكل لغاتهم.

وفي الختام نقول: إنه لو أغلقنا كل الطرق أمام كل عامل هارب من كفيله، لما وجد سبيل لمجرد التفكير بالهرب، ولكان درساً يوجه لكل وافد لديه الرغبة في الإضرار بالبلد أو بالمواطن.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع