مهام الدولة بين الواقع والمفروض

 

مهام الدولة بين الواقع والمفروض

الدولة هي ما اتفق عليه علماء السياسة، بأنها شعب متجانس تجمعهم اعتبارات مشتركة ذات اصول وتاريخ واحد وإقليم محدد، وتمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي: شعب وأقليم وحكومة. وينبغي التمييز بين الدولة والحكومة، فالدولة هي الكيان الشامل في حين أن الحكومة ما هي إلا جزء من الدولة. فنحن جميعاً ننتمي للدولة، ولكن ليس للحكومة. وتقوم الدولة بالعديد من الوظائف المختلفة منها ما هو: 1. أساسي: مثل إنشاء الجيش والشرطة والقضاء وتحديد العملة وتمويل الأنشطة العامة والعلاقات الخارجية. 2. خدمي: مثل التعليم والصحة والكهرباء والماء والصرف الصحي والموانئ والمطارات والاتصالات والمواصلات. ولهذا فإن الدولة ملزمة بالإنفاق من خلال الحكومة، لتحقيق هذه الوظائف. وبه تصبح الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها. ومع زيادة الإنفاق العام تزيد المشاكل الاقتصادية وبخاصة التضخم الذي يؤثر على مجريات الحياة داخل الدولة وانعكاساته على الأسعار، والإنتاج، والاستهلاك، والتشغيل. وبه لابد من التدخل والرقابة لترشيد الإنفاق العام ليحقق الأهداف المحددة للدولة، دون إساءة استعماله أو تبذيره لتتحقق المنفعة بأقل التكاليف الممكنة. وهذا لا يعني التقتير إلى حد التقشف، بل يعني حسن التدبير والابتعاد عن إسراف أو تبذير الأموال العامة في مجالات غير مفيدة.

صحيح أن هناك بعض الأمور لا يستطيع الأفراد أو القطاع الخاص القيام بها، لكبر حجمها أو بسبب عنصر المجازفة الكبير الذي يكتنف القيام بها، مثل الصناعات الهايدروكربونية، ولكنّ هناك أموراً أخرى كثيرة يجب أن تترك للقطاع الخاص، ليتم تركيز الإنفاق العام لإشباع الحاجات العامة. فبناء المستشفيات وتشغيل العاطلين وتأمين حياتهم وحياة عائلاتهم أولى من الإنفاق بسخاء لإنشاء الأسواق أو المراكز الرياضية أو بناء وصيانة الملاعب مثل الجولف، وهذا لا يعني أن إنشاء تلك الأسواق والمراكز الرياضية عديمة الفائدة بشكل مطلق، بل لها فوائد ولكنها في حكم الخاص وليس العام. إن الدولة قد أنفقت الكثير من مواردها في سبيل تحقيق مشاريع كثيرة، بينما كان من الأجدى أن تقدم مثل هذه المشاريع للقطاع الخاص بشروط من الحكومة تلزمهم بها. وكمثال على ما نقول، فإنه عندما تقرر الدولة تطوير المنطقة الواقعة من قصر الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، رحمه الله تعالى إن شاء، إلى دوار المناعي بشارع الريان فإنه يجب على الحكومة تقسيم المنطقة إلى قطع وتطرح تلك القطع للقطاع الخاص بسعر معين لفترة من الزمن، لنقل عنها 50 عاماً أو أكثر، وتفرض تطويرها خلال مدة من الزمن لا تتجاوز ثلاث سنوات، وبمخططات وأشكال خارجية مسبقة التجهيز من عندها. وهذا الأسلوب متبع في كثير من دول العالم، ومنها دولة قطر؛ متمثلاً في مشروع البحيرة الغربية واللؤلؤة ولوسيل. إن الدولة قامت في السابق بطرح أراضٍ في مناطق عديدة للقطاع الخاص بنظام التأجير، ولكن القطاع الخاص لم يتقدم للاستثمار في تلك الأراضي لعدم ثقته بالقطاع الحكومي، وبه ضاعت كل مجهوداتها. بعد ذلك توجهت الدولة لتأسيس الشركات المساهمة لاستغلال مثل هذه الفرص، لكن سرعان ما تحول هذا الخيار بسبب صغر حجم السوق المحلي وحماية لاستثمارات المواطنين إلى احتكار مطلق!!. إن الدولة ـ وهذا لا ينكر ـ تحاول إيجاد حلول.. بدليل التجارب والمحاولات التي قامت بها، ولكن الحكومة وصلت إلى مرحلة أصبحت هي أيضاً لا تثق في القطاع الخاص، وفي ذلك هي محقة وتتخوف من الدخول في تجارب جديده. وسألت أحد رجال الأعمال: ما هو الحل؟ فقال: الحل يكمن في إيجاد هيئة تنفيذية للشراكة الحكومية مع القطاع الخاص؛ تقوم بدراسة الفرص الاستثمارية المحلية في كافة القطاعات، ولا تكتفي بالإعلان أو الترويج لهذه الفرص بل تبادر إلى تحويل هذه الفرص إلى شركات ومشروعات؛ يستثمر فيها القطاع الخاص والمواطنون والحكومة، ولا مانع من حمايتها لفترة من الزمن. فالشراكة الحكومية مطلوبة بشكل كبير لإنجاح أي شركة مساهمة، فبدون مساهمة الحكومة في الشركات المساهمة دائماً ما تكون هذه الشركات فقيرة لا تحصل على الامتيازات التي تحصل عليها الشركات التي تسهم فيها الحكومة. إن الشراكة والتعاون بين القطاعين العام والخاص يعد أمراً مطلوباً لتحقيق التنمية البشرية والمالية والإدارية والتنظيمية والتكنولوجية والمعرفية، وهي ذات أهمية متزايدة تهدف إلى: 1. تغيير نشاط الدولة من دولة منتجة بكل معنى الكلمة إلى دور يميل إلى دور الدولة الحارسة، وهو الدور الطبيعي لها. 2. زيادة التمويل المخصص لبرامج الخدمات العامة. 3. إرجاع كل ما أنفقته الدولة من مبالغ دفعت لنزع الملكية وتطوير البنية التحتية. 4. تنفيذ مشروعات الاستثمار في الوقت المحدد، وبالميزانية المحددة. 5. تفادي تدهور الأصول والمنشآت الضرورية للخدمات العامة نتيجة للصيانة غير الفعالة أو التشغيل القاصر. والأهم من ذلك كله هو 6. تحريك استثمارات القطاع الخاص بشكل موجه.

وفي الختام نقول: إن تقليص وترشيد النفقات العامة بواقع 20 % من الميزانية القادمة لا يتحقق بمجرد رفع الشعارات، أو بقرارات إدارية، بل هو سلوك مبني على فهم طبيعة شريك التنمية الآخر. فالكثير من الأنشطة التي تقوم بها الدولة يجب أن تترك للقطاع الخاص كمستثمر. ولهذا يجب على الدولة إعادة ترتيب حساباتها بطريقة يسهل معها صياغة الأسلوب الأمثل، لإدماج القطاع الخاص في الأنشطة المختلفة، وأن يتم احترامهم لأن ذلك سيقودنا إلى حالة من التناغم والإنفاق الرشيد، للحصول على قيمة مضافة مهامة للاقتصاد الوطني.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع