أسباب زيادة النفقات العامة

 

أسباب زيادة النفقات العامة

بعد أن تناولنا في المقال السابق منشور وزير المالية بإجراءات وضوابط إعداد الميزانية، والذي يهدف إلى تقليص وترشيد النفقات العامة بواقع 20 % من الميزانية القادمة (انظر الشرق 16/2/2014). نأتي اليوم لمعرفة أسباب زيادة النفقات العامة. في البداية لابد أن نذكر بأن الميزانية العامة للدولة تعتمد على عنصرين: 1. تقدير المصروفات لإشباع ضروريات وحاجيات المجتمع. 2. توقعات الإيرادات العامة لتغطية تلك المصروفات. وهي بذلك تقديرية وليست فعلية لأنها توقعات عن فترة مقبلة تحدد في العادة بفترة سنة. وميزانية قطر، كما هو معروف، تبدأ من شهر أبريل وتنتهي بنهاية شهر مارس من العام الذي يلي. وترجع زيادة النفقات العامة إلى أسباب عديدة من أهمها زيادة عدد السكان وهذا أمر لا يستطيع أحد إيقافه ولابد من توفير الخدمات العامة لهم، ولكن يجب ألا نغفل:

* دور الدولة من دولة حارسة فقط إلى حارسة ومنتجة، أي قيامها بمهام اقتصادية كبيرة. ولهذا نجد أن حجم النفقات العامة يزيد بزيادة الدور الذي تمارسه الدولة.

* الإعانات والمساعدات وهي هبات وتبرعات نقدية تدفعها الدولة لتعزيز دورها على الصعيد الدولي والإقليمي بهدف مساعدة الدول الصديقة والشقيقة التي تتعرض لأزمات مالية، أو طبيعية، أو سياسية.

* تسديد الدين العام وفوائده وهي مبالغ نقدية تقوم الدولة بدفعها مقابل الديون المستحقة عليها، والتي بلغت، في 31 ديسمبر 2012، حوالي 137 مليار دولار أو ما يعادل 55 % من الناتج القومي الإجمالي لنفس السنة (نصيب المواطن الواحد من الدين العام يبلغ أكثر من نصف مليون دولار). (الدين العام في 2008 كان 7 مليارات فقط)

* إنخفاض قيمة النقود الشرائية. فكلما انخفضت هذه القوة تطلبت المشاريع مبالغ أكبر بسبب ارتفاع التكاليف، وهذا نشاهده في كل المشاريع الحكومية، ومطار حمد الدولي أبلغ مثال لهذا.

* التقديرات المبالغة لنفقات الوزارات التي تميل دائما إلى توسيع طلباتها وذلك لاعتقادهم، من خلال التجربة، أن كثيراً من مقترحاتهم ستخفض أثناء المناقشة مع وزارة المالية.

* بداية ونهاية الميزانية السنوية فتضاف نفقات بقية السنة المالية السابقة إلى حسابات السنة الجديدة.

إن السبب الأهم الذي عمل على كبر حجم النفقات العامة، وتأخر دولة قطر في الكثير من الميادين، هو اعتماد الميزانيات العامة بأسلوب موازنة البنود، والتي يتم الصرف منها في حدود الاعتمادات المدرجة، وفي الأغراض المخصصة لها. والمراقب، في هذا الأسلوب، لا يستطيع سوى القول إن إجراءات الصرف تمت بصورة سليمة وقانونية، ولكنه لا يستطيع أن يبين ما إذا كانت المصروفات قد حققت الهدف الذي صرفت من أجله أم لا. إننا نؤيد سعادة الوزير على أن الموازنة العامة الجديدة يجب أن ترتكز على برامج ذات نتائج يمكن قياسها، بتكاليف محددة. ولكن المشكلة هي في تحديد المشروعات الجاري تنفيذها، والمشروعات المعتمدة فى السنوات الماضية، أو تلك التي لم يبدأ تنفيذها، والمشروعات الجديدة. ومنبع هذه المشكلة هو أن تلك المشروعات هي نتيجة اجتهادات شخصية للوزير، تبدأ عند تعيينه وتنتهي بمغادرته مكتبه ووصول الوزير الجديد، الذي يقوم بشطب ما قام به سلفه ويبدأ بمشاريع جديدة. حتى المفاهيم الخطأ تؤدي بدورها إلى تشتيت الجهود. فها هو وزير المالية، في كلمة ألقاها خلال ورشة عمل نظمت بعنوان رؤية قطر من الإستراتيجية إلى التنفيذ، قد خلط بين الإستراتيجية غير الموجودة على مستوى الدولة، وتكلم عن رؤية قطر بأنها هي الإستراتيجية، مع أنها يجب أن تكون جزءاً من الإستراتيجية العامة للدولة. وبسبب هذه الاجتهادات وجدنا أن الذي قدم مقترح رؤية قطر 2030، وجد من الصعوبة إحراز أي تقدم حقيقي في ظل هذه الفوضى لتحقيق هذه الرؤية فقدم استقالته من منصبه.

إن التصريحات التي أعقبت إصدار المنشور أكدت على أن الحكومة ترغب في التحول من ميزانية البنود إلى ميزانية البرامج والأداء. وهذا النوع من الأساليب جيد لأنه يؤدي إلى رفع مستوى الأداء، وترشيد الإنفاق، والحيلولة دون الإسراف، وتقييم النتائج من خلال مقارنتها بالخطط. ولكن هذا الأسلوب، بسبب ما ذكر من مسببات زيادة النفقات، قد يواجه بعض الصعوبات عند تنفيذه نظرا لعدم اهتمامه بتحديد الأولويات بين البرامج الجديدة، ولا يهتم بتقييم البرامج الحالية. إن الذي يهمنا في قطر هو الميزانيات المعدة بالأسلوب القطري، والذي أطلقنا عليه "أسلوب الميزانية المئوية"، وهو يجمع بين المشاريع بطريقة 100 إلى صفر والإنفاق من صفر إلى 100. وهذا الأسلوب المئوي يجمع بين الأبعاد الأربعة للميزانية العمومية وهي: 1. التخطيط. 2. التنفيذ. 3. الرقابة. 4. الشفافية. ومن ميزته أنه يأخذ في الاعتبار جميع الأنشطة، ويسعى إلى تحقيق الأهداف المرسومة لكل مستوى إداري، مع إيجاد الخطط البديلة لتنفيذ تلك الأهداف، وتقديم المقترحات المختلفة بهدف توزيع الموارد، وترشيد الإنفاق العام، بما يحقق أفضل النتائج. ولكن هذا الأسلوب من طرق إعداد الميزانيات يحتاج إلى عمل حقيقي لا يرغب فيه الكثير من مسؤولي الدولة المتعودين على كلمة "يا غناتي".

وفي الختام نؤكد على أنه يجب أن يكون الاعتماد على النفقات العامة في حده الأدنى لمواجهة التضخم ومشكلاته ولكن الحكومة لا تملك حرية تخفيضها إذا تناولت جزءاً منها وتركت الباقي. فمن غير المنطقي تخفيض الرواتب أو عدد العاملين أو تقليص مستوى الخدمات العامة في حين أنها تضخم دورها الإنتاجي وتزيد على نفسها الدين العام وفوائده بزيادة الإعانات والمساعدات للدول الأخرى.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع