الحكومة والديون المتعثرة

 

الحكومة والديون المتعثرة

لقد قمت بالكتابة حول الديون المتعثرة عدة مرات (انظر جريدة الشرق 30/5/2010 و7/11/2010 و14/11/2010 و13/3/2011 و11/12/2011 و3/6/2012). وذكرت في المقالات أن الحكومة هي السبب في نكبة المواطنين بالديون المتعثرة وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية، وتوقف الحكومة الكامل في مواصلة العمل في مشاريعها، أو تأخير الدفع لما أنجز من مراحل. ولما اشتدت الأزمة المالية العالمية، وجدنا الدولة تتدخل لحل مشاكل البنوك، وأصحاب المجمعات السكنية، والأبراج. وبعد ذلك امتدت يد الدولة للخارج لتلبية نداء استغاثة بنوك أمريكية متعثرة، وشركات تصنيع سيارات غربية تعاني من أزمة ديون، تاركة المواطن العادي يغرق في بحر من الديون المتعثرة، وما تجره من مشاكل متنوعة. ومشكلة مسؤولينا أنهم كانوا، وما زالوا، يركزون على أن قطر في وضع إقتصادي ممتاز، وأنه لا مشاكل اقتصادية يعاني منها المجتمع، متناسين الآثار المدمرة للديون المتعثرة على الاقتصاد المحلي والأفراد. وقمت في إحدى المقالات باقتراح إنشاء صندوق لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض تجاه البنوك وشركات التمويل. وطالبت في نفس الوقت بالإفراج الفوري عن المواطنين المسجونين في مطالبات مالية بسبب نقص السيولة، وليس لأسباب النصب والاحتيال، وإرجاع المواطنين الذين تم فصلهم من وظائفهم بسبب قضايا الديون، وإصدار تعليمات بإسقاط فوائد الديون، وأهمية سرعة إصدار تشريعات لمعالجة أوضاعهم. كل ذلك والتركيز كان على إيجاد الحلول بدون التركيز على من الذي خلق هذه المشكلة. وبالبحث والتقصي وجدنا أن الحكومة القطرية، بسبب النقص القاتل في تشريعاتها لتنظيم عمل البنوك، هي المتسبب الرئيسي لمشكلة الديون المتعثرة. وقام مصرف قطر المركزي، بهدف تغطية فشل التشريع الحكومي، بإصدار التعميم رقم (36/2011) إلى جميع البنوك العاملة بدولة قطر بخصوص الائتمان الممنوح مقابل الراتب. وحدد في التعميم اجراءات الحصول على القروض، من اهمها: 1. ان يكون الحد الاقصى للقرض 2 مليون ريال للمواطن، و400 الف ريال للمقيم. 2. أن تكون اقصى مدة للسداد 6 سنوات للمواطن، و4 سنوات للمقيم. 3. ان يكون الحد الاقصى للفائدة او العائد هو سعر المصرف اضافة الى 1.5 %. 4. أن يكون إجمالي الالتزامات الشهرية مقابل الراتب هو 75 % من مجموع الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية للمواطن فقط، و50 % من إجمالي الراتب للمقيم. 5. يكون الحد الأقصى للسحب ببطاقات الائتمان مثلي صافي إجمالي الراتب للمواطن والمقيم وتكون الفائدة عليها 1 % شهريا. ومنع المصرف منح أي قروض إلا للعملاء المحولة رواتبهم إلى البنك. ولا يجوز تحويل القروض، أو التمويل من بنك لآخر، خلال فترة السداد. والتعميم أجبر البنوك على تخفيض سعر الفائدة للقروض القديمة وفقاً لسعر المصرف المركزي مع هامش لا يزيد على 1.50 %. ومن محاسن التعميم أنه فرض على البنوك عدم أخذ شيك أو شيكات كضمان بإجمالي قيمة القرض. وفي هذا إبعاد شبح الملاحقة القضائية عن المدينين لأنه يوقف التعامل مع عدم السداد "كجنحة" تؤدي بصاحبها للسجن، ويقلل من قضايا الشيكات من دون رصيد في المحاكم القطرية.

إن صدور هذا التعميم حقق الحماية للعملاء والبنوك من مخاطر الديون المتعثرة، وحد من ظاهرة التوسع في القروض الاستهلاكية والكمالية، ولجم نسبة الفائدة المركبة التي يمكن عن طريقها أن يسدد العميل حوالي 75 % من قيمة القرض كمبالغ إضافية في صورة فوائد، أو من الممكن، إذا تعثر في السداد، أن تتجاوز الفائدة قيمة أصل القرض نفسه. لقد شهدنا جميعاً ما حصل قبل الأزمة العالمية المالية من مبالغة في الإقراض الائتماني غير المحسوب من البنوك العاملة، وإنني لا أتهم البنوك في التوسع في منح القروض للأفراد ولقطاع الأعمال، وذلك لأن جميع المؤشرات والتصريحات الرسمية، كانت تؤكد أن المشاريع الحكومية الكبيرة من بنية تحتية، ومشاريع عمرانية، سوف تستمر حتى 2020، ولم يكن هناك احتمال، ولو بسيطاً، بإيقاف أو إبطاء مثل تلك المشاريع، ولذلك كان على البنوك، للنقص في التشريع، الاستفادة من تلك الطفرة العمرانية لصالح المساهمين لديها.

إن هذا التعميم لم يصدر من فراغ بل هو عمل محترف أتى لتغطية غلطة الحكومة من نقص التشريعات المالية والمصرفية، وهو بذلك أخرج الحكومة من المشكلة ولكن بدون أن يقدم حلاً لعلاج الآثار التي ترتبت من تلك المشكلة. وكان على الحكومة بدلاً من الاكتفاء بمعالجة نقص التشريعات أن تبادر بدراسة الآثار المترتبة منها لمعرفة حجمها ووضع الخبرات والتجارب العلمية والعملية لحلها، بدلاً من إخفائها والتستر عليها. إن الوضع لا يزال خطيراً ويحتاج إلى دعم حقيقي من راسمي السياسة الاقتصادية العليا بالدولة، ولا أعتقد ان استثمار عدة مليارات من الريالات محلياً لحل المشكلة سيؤثر على إمكانية الدولة المالية ذات الفوائض السنوية المليارية العالية. إن تدخل الدول لمساعدة المواطنين يعتبر قراراً مهما وبه تستطيع الدولة: 1. مساعدة المواطنين. 2. مساعدة البنوك. 3. إنعاش السوق المحلي. مع العلم أن جميع المبالغ التي ستسخدم لحل المشكلة لن تعتبر هدراً لأن تلك الأموال سوف ترجع لخزانة الدولة كاملة بدون نقصان وعلى أقساط مريحة للمواطن.

وفي الختام فإنني أعرف، كما يعرف غيري، أن هناك عدداً من المسؤولين، هداهم الله، يقفون عائقاً أمام تنفيذ أي مقترح لصالح أهل قطر وحفظ ماء وجوههم. ألا يعلم هؤلاء أن ضخ الأموال بشكل مباشر (زيادة الرواتب أو توسيع قائمة السلع المدعومة) وغير مباشر (تسديد الديون المتعثرة) سيعمل على استقرار المجتمع الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع