الهروب من المسئولية

 

الهروب من المسئولية

كنت أقلب، منذ مدة يسيرة، جريدة من جرائد المملكة العربية السعودية واسترعى انتباهي كاريكاتير رجل واقف كتب عليه "القطاع الخاص" ممسكاً بسلة فيها ستة أطفال وكتب على السلة "مرض التوحد" وفي الجهة الأخرى رجل متلثم كتب عليه "القطاع الحكومي" وهو يهرب من الرجل الآخر وحمولته. وفجأة خطر ببالي التحقيق الذي نشرته جريدة العرب بتاريخ 15 /5 /2013 بعنوان "أولياء الأمور: لا علاج في قطر لأطفال التوحد ". فما هو مرض التوحد؟ أفاد الدكتور حسين الشمراني على شبكة أهل قطر الأولى بأنه اضطراب في النمو، يظهر في السنوات الثلاث الاولى من العمر، من أعراضه التأخر في تطور اللغة والتواصل الاجتماعي ويخلق لدى المصابين حركات متكررة باليدين أو الرأس أو القفز او غيرها. والمريض لا يستجيب عند مناداته باسمه، كما أنه يردد الكلام وعنده ميل للعزلة واللعب المنفرد. وأول من حذر بوجود علاقة بين التحصين الثلاثي (المعروف باسم MMR) والإصابة بالتوحد هو الدكتور اندرو ويكفيلد والذي قام بتحذير اعضاء البرلمان الاسكتلندي من هذا المرض مطالباً باستعمال تحصينات احادية ضد ثالوث الحصبة والنكاف والحصبة الالمانية وقدم هذا الدكتور للكونغرس الامريكي دليلا واضحا على وجود هذه الصلة (الدكتور نفسه هو أول من حذر من مرض جنون البقر وكانت الجهات الطبية تكذبه). وحاولت جهات طبية متنوعة، كما فعلت سابقاً، تكذيب هذا الأمر إلا إنني ومن خلال متابعتي لشكاوى أهالي المرضى من خلال الإنترنت ومن خلال متابعتي لمرض حفيدي في كل من الكويت والإمارات ومن تحدثي مع الكثير من أهالي الحالات في قطر وصلت لقناعة بأن ما ذكره الدكتور الاسكتلندي هو الحقيقة المطلقة. وحتى أكون على يقين أكبر وحتى لا أظلم الجهات الحكومية فقد طلبت من الأب والأم والحفيد فحص الجينات الوراثية وطلعت النتائج كلها سلبية. ومما سبق يتضح بدون شك أن الحكومة في سعيها لتحسين المناعة لدى أطفال قطر تسببت، بدون أن تعلم، في حدوث مرض التوحد في قطر.

أما علاج المرض، وحسب ما ذكره الدكتور الشمراني، فقد بينت الدراسات الحديثة على توحديين دخلوا برامج تدخل مبكر في عمر سنتين وفي عمر 5 سنوات لُوحظ ان بعضهم شُفي والاغلبية تحسنت حالتهم. وبهذا فإن العلاج الوحيد المناسب لحالات التوحد تتمثل في برامج التدخل المبكرة والمكثفة، وتشمل جلسات تخاطب وتعليم المهارات الاجتماعية وغيرها. ومن واقع تجاربي الشخصية أن كل ما يشاع عن جهود قطر في رعاية المتوحدين معظمها إن لم يكن كلها غير صحيح. إن الخدمات الحكومية في رعاية المتوحدين متواضعة جداً ويقتصر على العلاج التأهيلي لثلاث ساعات في الأسبوع فقط لكل مريض بمستشفى رميلة. أما مركز الشفلح فإنه يقدم رعاية طبية وتأهيل ولكن لعدد محدود جداً من الأطفال. إن الحكومة، وللأسف، لا تملك إحصائية دقيقة لعدد حالات مرضى التوحد في قطر وذلك راجع إلى: 1. الخوف من إكتشاف حجم المرض في قطر. 2. عدم وجود المختبرات الطبية المتخصصة. 3. عدم وجود متخصصين يستطيعون قراءة نتائج المعامل الخارجية. وهناك أمور أخرى عديدة جعلت الحكومة لا تعلن حتى عن الإحصائيات التي تحت يديها. إن الأرقام كبيرة، ولا شك فيها، وتساهم مجموعة كبيرة من الأسر في غياب الإحصائيات الدقيقة لخوفهم من نظرة المجتمع لهم بوجود طفل غير سوي في العائلة.

إن الحكومة، وللأسف، لا تشعر بالمآسي التي يعاني منها أولياء الأمور من الوقت الذي يتم إعلامهم بأن طفلهم ربما يعاني من التوحد. فتبدأ رحلة المعاناة اليومية للبحث عن العلاج المناسب للتخفيف عن مصابهم. فيشدوا رحالهم لمستشفى حمد ولكن جميع إمكانياته لا تلبي الحاجة. ولكن أطباءهم، بارك الله فيهم، يقدمون النصائح للأسر بأن لا تعطوهم أي نوع من الغذاء فيه الكازين (بروتين الحليب) أو الجلوتين (بروتين القمح) ولكن أعطوهم بدائل الكازين والجلوتين بجانب الأكل الذي لا يحتوي على المواد الحافظة. ويبدأ البحث عن الأكل العضوي الذي يكاد يكون مفقوداً بالسوق المحلي وإن وجد فإن الشركة تطلب أسعاراً مبالغاً فيها ليست في مستوى الكثير من الأسر القطرية وبعض الأوقات يختفي من السوق كلياً فتضطر الأسر للذهاب إلى الإحساء لشراء ما يحتاجون إليه. أما العلاج فغصباً على الأسر السفر إلى الإمارات والكويت والسعودية والإقامة عدة أسابيع بها لأنه لا يوجد في قطر أي علاج. أما الأدوية والمكملات الغذائية فهي غير متوافرة فكل مرة يجب أن تشد الرحال إلى بعض دول الخليج لشرائها. أما التأهيل الوظيفي والكلامي والسلوك فما يمنح في قطر لا يتعدى سويعات بالأسبوع لا تكفي لإحراز أي تقدم فتضطر الأسر القادرة على الإستعانة بأفراد من المجتمع بمبالغ تصل إلى أكثر من 9.000 ريال شهرياً أما غير القادرة فلها الله. وفي هذا المقام فإني أقدم الشكر لمعالي رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية لأنه فتح منشآت قوة الأمن الداخلي (لخويا) لعلاج مرضى التوحد.

وفي الختام نقول يا حكومة خافي الله فهؤلاء الأطفال أنتي من تسببتي في توقف نموهم وليس كل الأسر قادرة على تحمل المشكلة نفسياً ومادياً ويكفي أن يجلس الوالدين يرون أطفالهم فلذة أكبادهم يعانون في كل لحظة وهم مكتوفو الأيدي لا يستطيعون عمل شيء. إنه من المهم إنشاء مركز خاص للتوحد ليقوم بتحضير المرضى لخطوة الدمج بالمدارس والمجتمع عن طريق إكسابهم المهارات التعليمية والنفسية والسلوكية اللازمة لهم وحتى لو تطلب هذا الأمر تحمل الأهالي جزءاً من التكاليف.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع