العيش الكريم بين الحلم والواقع

 

العيش الكريم بين الحلم والواقع

قال سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في خطابه للشعب القطري بتاريخ 26/6/2013 "تحويل قطر بحلول عام 2030 إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وتأمين استمرار العيش الكريم لشعبها". ونحن بدورنا لا نشك لحظة في توجه الدولة وقيادتها هذا المنحى الكريم فكل المؤشرات تؤيد ذلك. ولكننا أمام مشكلة خطيرة قد تهدد تطلعات سمو الأمير المتعلقة بتأمين استمرار العيش الكريم للشعب القطري، ألا وهي مشكلة ارتفاع أسعار السلع والخدمات في أسواقنا.

إننا لا ننكر أن الدولة تخصص ميزانية كبيرة لدعم السلع الأساسية للسكان ككل (مثل الخبز والوقود وغيرهما)، وللمواطنين بشكل خاص (مثل الارز والسكر والحليب والدهن). إن دولة قطر، والحق يقال كذلك، لم تقصر في محاولاتها المستميتة للحد من ارتفاع الأسعار فهي قد قامت: 1. بتشجيع المنافسة التجارية وتطبيق قانون حماية المنافسة. 2. تشديد الرقابة لمكافحة الغش والتلاعب بالأسعار. 3. دعم المواد الضرورية للمواطن والمقيم. 4. محاولة الحد من التضخم من خلال بنك قطر المركزي. 5. ترشيد المواطنين ونشر برامج التوعية الاعلامية حول الأسعار والأسواق وبيان خطورة التبذير والإسراف. 6. إصدار نشرات يومية لأسعار الخضراوات واللحوم والأسماك. 7. نشر بيان مقارن لأسعار بعض المواد بين المجمعات التجارية.. ولو نستمر بسرد جهود الحكومة لما غطينا جميع أنشطتها وتوجهاتها في هذا المجال. ولكن العجيب في الأمر أن مع هذا المجهود الكبير لم تنجح الحكومة في إيقاف حمى الغلاء التي اجتاحت السلع والخدمات حتى الدعم الذي قدمته الدولة لمختلف السلع لم يحقق أهدافه بالشكل المطلوب. بمعنى أن السلع المشابهة بالسوق للمواد المدعومة لم تنخفض أسعارها.

إن ظاهرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات أصبحت تمثل واقعا مريراً يعيشه المواطن والمقيم على أرض قطر الطيبة ولهذا لا بد من إيجاد آلية واضحة لضبط الأسعار ومراقبتها والعمل على مواجهة تداعيات نسبة التضخم المرتفعة التي يعيشها السوق منذ فترة غير قصيرة (أعلى نسبة تضخم سجلت بدول الخليج) مما خلق حالة إرباك وفوضى وانفلات أسعار حتى وصلت في شكلها الأخير إلى حملات الحج والعمرة والتي بمجرد عبور الحدود تصبح أسعارها في حدود 8000 ريال بدلاً من سعرها في قطر الذي يصل إلى 35000 ريال. إن السبب الرئيسي في زيادة الأسعار يرجع إلى: 1. عدم تمتع المستهلك بالوعي والمرونة. 2. بروز ظاهرة الاستهلاك، النافع منه وغير النافع، وفي أغلب الأحيان بما يتخطى موازنة الأسرة. 3. الاعتماد الكبير على الشراء بالتقسيط. 4. ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات غير المبرر. 5. الزيادة الكبيرة في رواتب المواطنين التي اختفت قبل أن ينعم بها أصحابها لأن الأسعار ارتفعت بنسبة تزيد بمرتين على نسبة زيادتها. كل هذه الأمور، وغيرها الكثير، جعل المواطن والمقيم يعانيان من ارتفاع أعباء المعيشة وتكاليفها المنظورة وغير المنظورة.

وأكدت مراقبة الأسواق والتحقيقات التي تجريها جريدة الشرق بين فترة وأخرى أنه لا ارتباط بين زيادة أسعار السلع في قطر وزيادة أسعارها عالمياً (معقولة بعض السلع تزيد عدة مرات في خلال مدة بسيطة) وهذا بنفسه يعطي مؤشراً خطيراً بأن بعض تجارنا الأفاضل يبحثون عن الربح السريع بأي وسيلة متاحة بدون أن يؤنبهم ضميرهم بأي ضرر قد يقع على أصحاب الدخول المحدودة أو العمالة الوافدة. إن الله سبحانه وتعالى حذرنا من هذه الأمور فقال في محكم تنزيله ".. كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ.." الحشر:7. أي حتى لا يكون الاستيلاءُ والغَلَبَة للأغنياء والتجار فقط، بينما يموت الفقراء خوفا وجوعا. إن عمل بعض تجارنا غير المسئول سوف يقود أفراد المجتمع، لتعويض فارق الهبوط في مستوى المعيشة، إلى نتائج كارثية مثل: 1. زيادة نسبة الاقتراض من البنوك. 2. البحث عن مواد استهلاكية بديلة ذات جودة منخفضة وضارة بالصحة. 3. انتشار الرشاوى والكسب غير المشروع. 4. العزوف عن الزواج وتكوين الأسر الجديدة. 5. ارتفاع نسبة الطلاق. 6. قيام الوافدين بترحيل أسرهم مما سيقلص نسبة الإنفاق المحلي ويخلق جرائم أخلاقية. 7. زيادة نسبة الأمراض النفسية.

إننا نشجع الحكومة على محاورة رجال الأعمال في أنسب الطرق لحل مشكلة ارتفاع الأسعار فإذا كانت المشكلة تكمن في الأراضي فإن أكثر من 90 % من أراضي دولة قطر فضاء غير معمورة. وإذا كانت بسبب الرسوم الحكومية فالحكومة في غنى عن هذه الرسوم لأن خزائنها من أموال النفط والغاز بلغت حداً أجبرها على مساعدة الدول الأخرى. أما إذا كانت المسألة قائمة على جشع بعض التجار فإن الحكومة مطالبة بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بالاستيلاء على أموال المواطنين والمقيمين بالباطل. وفي نفس الوقت فإن الحكومة مطالبة، بالتخفيف من حدة ارتفاع تكاليف المعيشة، بزيادة المواد المدرجة بالبطاقة التموينية لتشمل اللحوم والدواجن ومستلزمات الأطفال من حليب وخلافه وأصناف أخرى تحتاج لها الأسرة تحدد أنواعها وكمياتها لجنة ليس من أعضائها وافدون أو مواطنون أغنياء.

وفي الختام لا نريد أن نسمع أو نردد في مجتمعنا المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد" فالحاجة عند المواطن والمقيم تعتبر مصيبة ونكبة، أما عند التجار فتعد فائدة وبلسما لجيوبهم، نريد من أجهزة الدولة، التي تمثلنا كلنا، العمل يشكل حقيقي وقوي للقضاء على ظاهرة الارتفاع غير المبرر للأسعار على أمل أن نصل في يوم من الأيام إلى العيش الكريم.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع