الميرة.. الوحش الذي انطلق

 

الميرة.. الوحش الذي انطلق

وفقني الله بالجلوس مع أحد إخواني الأعزاء الذي بادرني بالقول: كيف تنظر إلى أرباح شركة ميرة؟ قلت له كاقتصادي انها شركة ناجحة تحقق أرباحا لمساهميها، ففي عام 2011 حققت حوالي 77 مليون ريال أما أرباح 2012 فقد تجاوزت 105 ملايين ريال، وقد وصلت فروعها إلى 22 فرعاً في مختلف أنحاء دولة قطر. عندها بادرني صديقي بقوله إن دورها هو دور هادم للمجتمع فهذه الأرباح التي ذكرتها أخذت من ظهورنا نحن المواطنين الكادحين، أما الفروع التي ذكرتها فهي لم تساهم في تشغيل العمالة القطرية التي في أمس الحاجة لوجود فرص وظيفية غير تقليدية. الصراحة لم أفكر وأنا أقرأ البيانات المالية للميرة وغيرها من الشركات المساهمة بهذا الأسلوب من قبل. ورجعت لجوجل وبدأت بالبحث عن الموضوع من زاوية مختلفة. ففي موقع الميرة الإلكتروني وجدت أن نشاطهم لا يختلف عن نشاط أي سوبر ماركت، ولكن الذي استرعى انتباهي أن رسالتهم هي "مكافأة المجتمعات التي تعمل ضمنها عن طريق تطبيق أعلى المعايير في كل شيء تقوم به ومشاركة مواردهم". أما ما كتب في لمحة عن الشركة بأن جهودها المتواصلة تتركز على توفير "المنتجات الرائعة بأسعار جيدة".
إن الدولة لم تقصر في دعم شركة الميرة للمواد الاستهلاكية وذلك منذ نشأتها في بادئ الأمر كجمعيات تعاونية. ومن أشكال الدعم أن الحكومة قدمت لهم أراضي بالمجان وسلمتهم إعانة تأسيسية وإعانة بناء وإعانة مخاطر وإعانة إدارة وإعانة تشغيل وإعانة تدريب وإعانة دراسات وبحوث وإعانات فنية على تطوير عملها وإعانة خدمات اجتماعية وإعانات أخرى لا أتذكرها.. وحتى تستطيع الجمعيات منافسة المجمعات الكبيرة فقامت الحكومة بتحويل الجمعيات إلى كيان واحد متمثل بشركة مساهمة تضم جميع تلك الجمعيات التعاونية تحت سقف واحد بمسمى شركة الميرة للمواد الاستهلاكية وحولت لها الأراضي والعقارات والممتلكات التي هي في الأصل مملوكة من الدولة إلى هذه الشركة. ولكن مع هذا التحول الإيجابي، إلا أن الميرة تحولت من هدفها الأساس في النشأة والتكوين ليصبح هدفها الأسمى هو تحقيق الأرباح فقط، بينما المفروض منها أن تمزج الهدف الربحي مع أهداف اجتماعية واقتصادية أخرى. أي ان الهدف، مع كل الدعم الذي يصل لها من الدولة، يجب أن يصب في كبح جماح جشع بعض التجار، وخفض نسب التضخم في البلد، لأن مصلحة المجتمع مقدمة على مصالح التجار. ولكن الميرة فشلت بإمتياز في تحقيق هذا الهدف السامي، وحتى إنها فشلت تجارياً في تحقيق الأرباح المناسبة بالمقارنة مع إحدى المجمعات التي لا تزيد فروعها على أربعة (ربح هذا المجمع في سنة يصل إلى أكثر من 300 مليون ريال).. إننا لا نختلف بأن يكون هدف الميرة اقتصاديا حتى يكون أداؤها بشكل لائق يضمن استمراريتها ولكن يجب ألا يتناسى الهدف الاجتماعي الذي أسست عليه من البداية.
إن المسئولية الاجتماعية لدولة قطر هو أن لا تتخلى عن دورها في ضبط الأسعار، ومنها الأسعار الاستهلاكية وأفضل الوسائل المتاحة للدولة لتنفيذ سياستها الاقتصادية الداخلية، إذا طبقت بطريقة صحيحة، هو عن طريق الميرة، بهدف الوصول إلى مجتمع قادر على مواجة التقلبات الاقتصادية والمعيشية وإثراء التنافس داخل السوق، وكسر الاحتكار، وحماية ذوي الدخل المحدود من جشع بعض التجار، ولتحقيق سعر أقل لسلع جيدة ذات جودة عالية، وبالتالي سينعكس هذا الأمر في إدارة مواجهة التضخم. إن الدولة إذا قامت بهذا الفعل فستجد نفسها بعد فترة من الزمن بأنه لا حاجة لها في تقديم السلع الأساسية المدعومة للمواطنين لأن الأسعار سوف تنخفض بشكل كبير. إن اتحاد الجمعيات التعاونية بالكويت، على سبيل المثال، يشكل ضغطاً كبيراً على التجار والموردين ممن يبالغون في رفع أسعار سلعهم بلا أي مبرر، أو من خلال تبريرات غير صحيحة وغير منطقية وذلك من خلال رفض زيادة أسعار تلك السلع، وتحذير التجار والموردين الذين يصرون على زيادة أسعار منتجاتهم بعدم دخول سلعهم لكافة فروع الجمعيات التعاونية.
إن المواطنين يطالبون الحكومة، وبشكل مستمر، بزيادة الرواتب، ومهما قامت الحكومة بزيادة الرواتب فإنها غير ذات أهمية، فآخر زيادة والتي بلغت 60 %، على سبيل المثال، اختفت من يد المواطن لأن الأسعار زادت بنسبة أعلى من 200 %. إن الحل الأمثل لهذه المشكلة هو تدوير رأس المال، وليس تدوير الأرباح، وبه تكون المكاسب قليلة بالنسبة للسلعة الواحدة ولكنها كبيرة بالنسبة لحجم المبيعات الكبير، وتصبح هنا الفائدة فائدتان، أرباح، وأسعار مخفضة والأهم أنها الوسيلة المثلى لضبط آليات السوق. وبما أن الهدف العام للميرة، كما يقولون، هو توفير "المنتجات الرائعة بأسعار جيدة" فإن على الدولة، مقابل كل الدعم، تحديد نسبة الربحية لهذه الشركة بحيث لا تزيد على 5 % الأمر الذي سيجبر الآخرين إذا أرادوا البقاء بالسوق، أن يخفضوا أسعارهم تبعاً لذلك. إن الحاجة لهذا الأمر أصبح ضرورة ملحة، ففي السابق لم نكن نحتاج إليها في ظل ثبات الأسعار، ولكن الآن اختلف الوضع، والقادم أكبر مع استمرارية توقع ارتفاع الاسعار وتسارعها.
وفي الختام إننا في قطر لا نحتاج إلى قيام بقالات ولكننا في حاجة إلى شركة تدار بطريقة أفضل لتخدم المصلحة العامة للمجتمع عن طريق الحد من زيادة الأسعار وتنمية دخل المجتمع. ويبقى التحدي الحقيقي هو كيف نصنع نموذجاً ناجحاً يجمع بين الفكر الاقتصادي التجاري والجانب الاجتماعي.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع