العلاج الطبي.. مشاهدات حية

العلاج الطبي.. مشاهدات حية

موضوع العلاج الطبي في قطر هو واقع يثير عدداً من الأسئلة حول مدى التزام ووفاء المجلس الأعلى للصحة بحق المواطنين والمقيمين في توفير العلاج الذي تكفلته الدولة وهيأت له موارد مالية ضخمة. ولقد تعرضنا في جريدة الشرق بتاريخ 30/1/2011 عن مكانة الخدمات الطبية القطرية ومقارنتها بالوضع الدولي. ووجدنا أن المكانة الدولية لقطر هي في وضع، نوعاً ما، مأساوي. ويكاد يجمع المواطنون والمقيمون في قطر على أن الخدمات الصحية في قطر تعانى الكثير والكثير من ترديها. فلكل واحد منهم لديه دليل أو قصة تثبت ذلك. ونأتي اليوم لنقاش معايشة تجربة حقيقية للخدمات الطبية. ففي رمضان الماضي وقعت الوالدة وانكسرت رجلها وطلب أخي الإسعاف لنجدتها وفعلاً في خلال دقائق معدودة وصلت السيارة للبيت وأخذت الوالدة لطوارئ مستشفى حمد. وفي الطوارئ تم أخذها لعمل أشعة وتبين أن الكسر يحتاج لعملية جراحية. وأتى الجراح ورتب الإجراءات بشكل محترف وأدخلت غرفة العمليات وتم تركيب مسمار لجبر الكسر ومن ثم نقلت للعناية المركزة لمدة يومين. وعندما زالت نسبة الخطر تم نقلها إلى الدور الخامس. إن ما شاهدته من خدمات منذ الاتصال بالإسعاف، وحتى زوال مرحلة الخطر، يبعث على الفخر ويجعل الواحد يطمئن على مستوى الخدمات، لدرجة أنني فكرت بشكل جاد، أن أعد مقالة تمجد فيها الإنجازات، وأعتذر فيها عما كتبته في الشرق في فترة سابقة. ولكن يا فكرة ما تمت. فبمجرد دخول الوالدة للدور الخامس بدأت المشاكل:

المشكلة الأولى: التنسيق بين الاستشاريين: وكان يأتي للوالدة استشاري الجراحة الذي يقوم بالنظر إلى تطور الجراحة ويطلب إعطاؤها عدة أنواع من الأدوية. وبعد مغادرته يأتي استشاري السكري وينظر للملف ويطلب باعطائها حزمة من الأدوية. وبعده يشرفنا بالزيارة استشاري القلب لأنهم سمعوا دقة غريبة في القلب ويأمر بالمقسوم من الأدوية. ويلحق بهم استشاري الدم لأنهم وجدوا الهيموغلوبين منخفضا وما قصر في صرف الأدوية. والممرضة ما تكذب خبرا فكل ما طلبوا باعطائها أدوية كلما كانت مستعدة بالحبوب والإبر. لكن تصدقون لم يتكبد أي استشاري بالنظر إلى ما كتبه غيره من أنواع الأدوية المطلوب صرفها للوالدة. الأمر الذي نتج عنه اعطاؤها بعض الأدوية المتضاربة في المفعول مما عرضها لخطر أكيد.

المشكلة الثانية: الكفاءات الطبية المتخصصة: الاستشاريون بالمستشفى فيهم الخير والبركة. ولكن وبسبب عددهم المحدود، فالضغط عليهم كبير جداً حيث يجبرون على رؤية عدد لا يستهان به من المرضى يومياً الأمر الذي يجعل فرص التدريب وتطوير المهارات بينهم نادرة جداً مما يؤثر على مستوى متابعتهم للتطورات الحديثة في مجال معالجة الأمراض المتنوعة. ومن جانب آخر فإن هناك عدداً من الأطباء المتدربين، أو ما يسمى بأطباء الامتياز، الذين نجدهم كمحاولة إثبات الذات يدخلون كأطباء معالجين أساسيين وليسوا كمتدربين. كل ذلك يحتم وجود أخطاء طبية، وفي أحيان تكون تلك الأخطاء قاتلة الأمر مما يؤدي إلى تشكك المريض من العلاج المقدم له.

المشكلة الثالثة: الحالة الصحية للمبنى: وبمجرد دخول الوالدة الطابق الخامس، أصابها تجمع مياه على الرئة، وهبوط في حاد في ضغط الدم مما نتج عنه توقف كامل لعمل الكلية. والذي أعرفه أن الوالدة عندها ضغط مرتفع، وليس منخفضا، ولم تشتكي في يوم من الأيام من أي مشكلة في الكلى. وبعد سؤالنا الاستشاريين عن الأسباب ذكر أحدهم بأن المستشفى، كأي مستشفى في العالم، به ميكروبات وأحد هذه الميكروبات أصاب الوالدة مما نتج عنه هذه المضاعفات وعلاجها يكون فقط بالمضادات الحيوية، ولكن يجب معرفة نوع الميكروب حتى يتم تحديد نوع المضاد الحيوي المناسب. وبسؤالي أحد الاستشاريين من أين جاءها هذا الميكروب قال مثل هذه الميكروبات تعشش في المباني ومجاري هواء المكيفات من قلة الصيانة أو لأسباب أخرى. سألته بخوف: يعني أي مريض أو أي زائر يعود أحد المرضى يمكن أن يتعرض لهذه الميكروبات؟ ابتسم الاستشاري ابتسامة عريضة وهو مغادر الغرفة.

المشكلة الرابعة: تأخر التشخيص والعلاج: بعد هجوم الميكروب على جسد الوالدة بدأت حالتها في التدهور السريع وبدأت الأجهزة والمعدات تركب على جسم الوالدة وكلما نسأل: هل هناك تقدم في علاج الوالدة وهل المؤشرات وتحاليل المختبر حددت نوع الميكروب؟ ودائماً كنا نحصل على إجابة واحدة: لم نحدد نوع الميكروب ومكان تواجده وأنها لا تزال في مرحلة الخطر. إن عدم معرفة الحالة بشكل دقيق وسريع قد يؤدي إلى التأخر في التشخيص ومن ثم تأخر العلاج مما ينتج عنه عواقب قاتلة. وهذا ما حدث للوالدة حيث انها دخلت في غيبوبة ومن ثم تم نقلها من الطابق الخامس إلى العناية المركزة

مشكلة جانبية: عدم توافر مواقف السيارات: وهذا مما يزيد هموم المتابع لحالة المريض فبالإضافة إلى هموم ضعف الخدمات الطبية تزيد معها هموم المخالفات المرورية.

علامات مضيئة: وهنا لابد من تسجيل كلمات الشكر والتقدير لسعادة وزير الصحة العامة الأمين العام للمجلس الأعلى للصحة، الذي كان يتابع عن قرب حالات الكثير من المرضى، ومنهم الوالدة ووجدنا أنه، وقبل مقابلته، قد أمر بدعوة استشاري متخصص لمعاينة الوالدة. والشكر لكل من يعمل بمكتب الدكتورة رئيسة مؤسسة حمد الطبية لمتابعتهم وتسهيل الإجراءات. والشكر موصول لمساعد رئيس قسم الدخول الذي كان يشرف على تنقل الوالدة المتكرر

وفي الختام هذا ما عايشته شخصياً ولا أعرف ما عايشه غيري من تجارب. والحمد لله، أن الوالدة بدأت تتعافى في أحد مستشفيات لندن. ومع ذلك، ولوجود بعض الميكروبات، فإننا ننصح كل مريض وكل زائر بلبس كمامة على وجهه عند الدخول للمستشفى وكما قيل الوقاية خير من العلاج

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع