تكاليف قطع الغيار

تكاليف قطع الغيار

وصلت إرسالية لرجل أعمال عن طريق شركة التوصيل السريع بها قطعة غيار صغيرة من أوروبا قيمتها 2 دولار فقط (دولاران)، وطلبت تلك الشركة القيم التالية:

• مبلغ 4 ريالات للجمارك (مع ان الفواتير أصلية وحقيقية ومن أوروبا لكن الإخوة في الجمارك قيموا القطعة بثمانين ريالاً).

• مبلغ 250 ريالاً كرسوم تصديق لوزارة الخارجية.

• مبلغ 10 ريالات فاتورة البيان.

• مبلغ 25 ريالاً رسوم إدارية.

يعني القطعة بقيمة 2 دولار وهي تعادل سبعة ريالات وثلاثين درهماً، لكنها طلعت على التاجر بإجمالي 289 ريالا بالإضافة إلى تكلفة خدمة شركة التوصيل والقيمة الأصلية للقطعة. وسألت أحد الأصدقاء عن البضائع التي يجلبها من الخارج فقال: مرة من المرات طلبت قطع غيار لساعة من سويسرا، وقطع الغيار عبارة عن براغي وواشرات بقيمة 100 ريال للساعة، ولكن قامت الجمارك بتثمينها بقيمة 8000 ريال، ومع أن الفاتورة واضحة إلا أنهم أصروا على قيمة تثمينهم الذي لم يخضع لأي أعراف منطقية، وبعد عدة محاولات خفضت الجمارك القيمه إلى 1000 ريال بالإضافة إلى دفع رسوم وزارة الخارجية التي تفرض تصاعدياً على قيمة البضاعة. سألت صديقي: كيف يتم تغطية هذه الرسوم؟ أجاب: المفروض أن الزبون هو الذي يتحمل كل المصاريف التي تدفع ولكن في مثل هذه الحالات ولأن المبلغ غير منطقي لا نحمل الزبون القيمة بل نتحملها نحن كخدمه للزبون، وفي أحيان كثيرة نحسب بعض الأجزاء من البضاعة برسوم التكلفة أو قريبة منها، علما بأن أسعارنا مشابهة لأسعار دبي لأن الشركات العالمية تفرض علينا سعر البيع كي نكون متساوين في منطقة الخليج.. والمشكلة التي نواجهها هي الطلب المستمر من الجهات الرسمية لخفض الأسعار.. فأسألك يا دكتور كيف نستطيع خفض الأسعار والجهات الحكومية هي التي ترفعها برسومها؟!

وعندها تذكرت خطاب معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في اللقاء التشاوري الخامس مع رجال الأعمال وغرفة صناعة وتجارة قطر بتاريخ 31 /5 /2011 عندما قال "من الواضح وجود فروق أسعار للسلع والخدمات المتوفرة في الدولة مقارنة مع أسعار ذات السلع والخدمات في الدول المجاورة" وأضاف معاليه "لن تقف الدولة مكتوفة الأيدي ولن تسمح أو تتغاضى عن الممارسات الاحتكارية واستغلال المواطنين".. وبعد هذه المقدمة دعونا نستعرض موضوع الرسوم الجمركية ورسوم تصديق وزارة الخارجية.

أولاً- الرسوم الجمركية: حسب ما أعرفه، فإن الرسوم الجمركية هي حق للدول تطبق في المنافذ الحدودية وبنسب تحددها الدول بحسب نوع وحجم السلع الواردة أو الصادرة. وحدد المشرع القطري الرسوم للبضائع العامة بنسبة 5 % من القيمة الأصلية وهذا لا خلاف عليه. أما الخلاف الرئيسي فهو قيام موظفي الجمارك بتحديد قيمة البضائع المستوردة بقيمة تزيد عن القيمة الأصلية بعشرات المرات.. ألا تعلم الجمارك أن السوق الأوروبي المشترك منع تحرير الفواتير بخلاف قيمتها الأصلية وأن أي شركة تقوم بذلك تتعرض لعقوبات شديدة؟ وهذا ببساطة يعني أنه لا غش في الفواتير الصادرة من أوروبا. وبما أن المقيم الجمركي مقتنع بعمله فإنني أتمنى أن يقوم سعادة المدير العام للإدارة العامة للجمارك بإجبار المقيم على شراء البضاعة كما حدد قيمتها بنفسه. صحيح أن القانون سمح للمستورد بأن يتظلم من قرارات زيادة قيمة البضاعة أمام لجنة القيمة، وسمح له باللجوء إلى القضاء.. ولكن كل هذه الإجراءات ستؤخر خروج البضاعة من الجمارك أو على الأقل ستعطل جزءاً من أموال المستورد كضمان مالي بقيمة الرسوم الجمركية وفقاً لتقدير الدائرة الجمركية.

ثانياً- رسوم تصديق وزارة الخارجية: عندما صدر قانون رقم (4) لسنة 1992 بشأن فرض رسوم مقابل التصديق على المحررات في وزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية والقنصلية، كانت هناك أسباب وجيهة لقيام وزارة الخارجية بالبحث عن مصادر تمويلية لنشاطها، حيث سجلت أسعار النفط الخام أدنى مستوياتها خلال 1991 و1992 وبلغت ما بين 14 — 15 دولاراً للبرميل. أما الآن ومع تسجيل فائض سنوى كبير لميزانية الدولة فإن المسببات، من وجهة نظري، قد انتهت. إنه لمن العجيب أن جمهورية مصر العربية ذات الموارد الطبيعية القليلة بالنسبة لعدد سكانها وأن خزينة الدولة شبه فارغة وأنها من الدول التي تتلقى المساعدات الدولية، قد حددت رسوم التصديق على المستندات التجارية بكافة أشكالها وأنواعها بمبلغ 25 جنيهاً مصرياً أما رسوم التصديق على كافة المستندات غير التجارية فتبلغ 11 جنيهاً.

إن مثل هذه السياسة المالية للحكومة القطرية من طرق تحديد قيمة البضاعة بشكل غير منصف ومن رسوم تصديق وزارة الخارجية غير المبررة، يعطي انطباعاً غير حقيقي بأن خزينة الدولة فارغة وفي نفس الوقت فإنها ستؤدي إلى تفاقم أزمة الأسعار بدلا من حلها، والى زيادة في معدلات ارتفاعها.. وعليه فسوف تستمر معدلات غلاء المعيشة والفقر بمستويات عالية نسبياً مما سينعكس مرة أخرى على النشاط الاقتصادي والمناخ الاستثماري وستعمل على خفض الاستهلاك الخاص وإنقاص الاشباعات الفردية والكلية عن طريق انخفاض القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. ويعتقد كثير من الاقتصاديين الماليين أن الضرائب أو الرسوم يجب أن ينظر إليها من زاويتها الوظيفية الاقتصادية وأن على الدول أن تقلل من إيراداتها الضريبية إذا أريد تحقيق نوع من الاستقرار في مستوى الأسعار العام.

وفي الختام نقول هل من المعقول أن يتم استيراد قطعة غيار بقيمة دولارين، فيدفع المستهلك بسبب الرسوم الحكومية أكثر من 289 ريالا لنفس القطعة، إضافة إلى تكلفة خدمات شركات التوصيل السريع وغيرها؟!!

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع