أين العدل يا وزارة العدل

أين العدل يا وزارة العدل؟

نشبت معركة حامية الوطيس بين أطراف حكومية من جهة ومجلس إدارة شركة مساهمة قطرية. وهذه المعركة حدثت حول تفسير بعض مواد القانون رقم (19) لسنة 2005م بتنظيم مزاولة المهن الهندسية. فالمادة (17) تحظر على الملاك والشركاء في المكاتب الهندسية القيام بأعمال المقاولات أو التجارة في مواد البناء أو غيرها من المواد المتعلقة بتنفيذ المشروعات. أما المادة (18) فتحظر على الملاك والشركاء في المكاتب الهندسية العمل في إحدى الوزارات أو الأجهزة الحكومية الأخرى. ولقد أصرت لجنة قبول المهندسين والمكاتب الاستشارية مدعومة من قبل المستشار القانوني لوزارة (..) على قيام إحدى الشركات المساهمة القطرية بتغيير أعضاء مجلس الإدارة وإلا فسيتم حرمانها من تجديد الترخيص (انتبهوا لكلمة تجديد الترخيص)، على الرغم من أن الشركة تمارس المهنة منذ سنتين، يعني أنها ليست بجديدة. والذي حدث أن أعضاء اللجنة السابقة، التي منحت الترخيص، تم تغييرهم، وكما يحدث دائماً في قطر (دولة القانون والمؤسسات) أن كل جديد ينسف ما قبله. فقامت الشركة بتقديم تظلم إلى سعادة وزير البلدية والتخطيط العمراني الذي قام بدوره مشكوراً بطلب رأي وزارة العدل للفصل في الخلاف.

وقامت لجنة الفتوى والعقود بوزارة العدل (كان اسمها إدارة الفتوى والتشريع والحمد لله رحمة بالعباد نقل التشريع إلى مجلس الوزراء)، بدراسة الطلب ولكنه غاب عن أعضائها كما غاب عن الأعضاء الجدد في لجنة قبول المهندسين والمستشار القانوني لوزارة (..) أن الشركة التي يناقشون أمرها هي شركة مساهمة قطرية ينطبق عليها قانون رقم (5) لسنة 2002 بشأن الشركات التجارية وليس المادتين (17) و(18) من قانون تنظيم مزاولة المهن الهندسية. والفرق بين الشركات ذات المسؤولية "المحدودة" والشركات "المساهمة" كبير جداً. فقمنا، حتى يطمئن قلبنا وضميرنا، بالاطلاع على التشريع الجزائري والفرنسي والتونسي والهندي والسعودي وغيرها من الدول ومن ضمنها التشريع القطري. ولقد أجمعت هذه التشريعات على التفرقة بين هذين النوعين من الشركات وبالأخص في:

• إطلاق مسمى شركاء على المستثمرين في "المحدودة" في حين أنهم بـ"المساهمة" يطلق عليهم "مساهمون".

• العدد في "المحدودة" محدد لا يزيد على رقم معين (20 — 50) في حين أن "المساهمة" لا يوجد حد لعدد المساهمين.

• الشركة "المساهمة" تتكون أساسا لتجميع الأموال والقيام بمشروعات معينة بصرف النظر عن الاعتبار الشخصي للمساهمين.

• المرجع الأساسي في إدارة "المحدودة" هو المديرون في حين تتميز "المساهمة" بوجود عدة هيئات للإدارة والإشراف، فهناك الجمعية العامة العادية وغير العادية ومراقبو الحسابات ومجلس إدارة ومدير.

• المالكون في "المحدودة" لديهم مسؤولية شخصية وداعمة لديون الشركة. أما "المساهمة" فهناك خطوط فاصلة بين الشركة ككيان والمساهم، كما أن المساهم لا يتحمل أي مسؤولية شخصية عن ديون الشركة.

• توزيع الأرباح في "المحدودة" حسب ما يراه الشركاء، أما في "المساهمة" فإنه يخضع للقانون بنسب محددة لتوزيع الأرباح.

ومن هنا يتبين أن كل التشريعات أجمعت على أن الشركة المساهمة لا يوجد بها ملاك أو شركاء بل مساهمون ولا يسأل المساهم فيها إلا بقدر مساهمته في رأس المال. ولقد أضاف المشرع القطري الشروط التي يجب أن تكون في عضو مجلس الإدارة وهي:

• ألا يقل عمره عن واحد وعشرين عاماً.

• ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة أو جريمة.

• أن يكون مالكاً لعدد من أسهم الشركة.

ولم يشترط القانون القطري أي شروط خاصة برئيس أو أعضاء مجلس إدارة الشركات المساهمة. وتأسيساً على ما سبق، وحسب معلوماتي البسيطة في القانون والتي لا تقارن بأصحاب "الفتوى والعقود" وبعد مراجعتي لثلاثة من مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية القطرية، فإنني أرى أن صفة الملاك والشركاء المنصوص عليها في قانون رقم (19) لسنة 2005م تنطبق على المؤسسات الفردية والشركات ذات المسؤولية المحدودة لأن المؤسسين هم أفراد ولكنها لا تنطبق على الشركات المساهمة لأن المؤسسين هم المكتتبون في أسهم الشركة، فملكيتهم في هذه الحالة هي للأسهم وليس للشركة ولا يملكون القدرة على التأثير في نشاط الشركة إلا من خلال الجمعية العمومية السنوية. وعليه فإن أعضاء مجلس إدارة الشركة مثلهم مثل أي أعضاء مجلس إدارة شركة مساهمة قطرية أخرى، هم لا يمثلون أنفسهم كشركاء ولكنهم منتخبون ويمثلون جميع المساهمين ومن ضمنهم أنفسهم وذلك كمساهمين، ولهذا نجد العدد الكبير من أعضاء مجالس الإدارات بالشركات المساهمة يعملون في الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى. أما دور أعضاء مجالس الإدارات في الشركات المساهمة فهو استشاري أكثر منه مهنيا أو عمليا ويعملون على التخطيط العام للشركة ومتابعة نشاطها ولا يتدخلون في الأمور الفنية والإدارية بها. والمشكلة أنني لا أعرف السبب، حتى الآن، الذي طمس هذه الحقائق عن لجنة "الفتوى والتشريع" القطرية مع أن هاتين المادتين وضعتا أساساً لمنع تضارب المصالح الشخصية، فأين المصلحة الشخصية في شركة مساهمة؟ والمشكلة الأخرى أنه عندما تدخلت في الموضوع وتحدثت مع المستشار القانوني لوزارة (..) قال بالحرف الواحد "أنا اقتنعت بوجهة نظرك ولكني مش ح غير فتواي"

وبالنظر إلى ما سبق، وحسب وجهة نظري الخاصة، فإن لجنة "الفتوى والعقود"، التي رحمة من رب العالمين بعباده، سحب منها التشريع، سوف تقوم، بالقياس على تلك الفتوى، بتغيير مجالس الشركات المساهمة. فهي ترى، حسب فتواها، أنه يمنع أي موظف حكومي بمجلس إدارة الشركات المساهمة وفي نفس الوقت يمنع كل من لديه نشاط مشابه بالدخول في مجالس إدارة تلك الشركات، بمعنى آخر فإن كل من لديه محطة بترول يمنع من دخول مجلس إدارة شركة "وقود" وكل من لديه عقار يمنع من دخول مجلس إدارة شركة "بروة" وكل من لديه فلوس يمنع من دخول مجلس إدارة أي بنك ولا ننسى أن كل من لديه محل لبيع التليفونات يمنع من دخول مجلسي إدارة كيوتل وفودافون

وفي الختام، ومع احترامي المطلق لكل المنتسبين لوزارة العدل، نقول للجنة الفتوى والعقود، بارك الله فيكم يا من اختلفتم مع كل دول العالم ومن ضمنها دولة قطر، التي أجمعت على التفريق بين طبيعة الشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات المساهمة، والآن فقط عرفنا من يأتي خلف إعداد وكتابة القوانين القطرية ومن يقوم في نفس الوقت بتفسيرها. والله يعينكم يا هيئة الرقابة الإدارية والشفافية على متابعة مثل هذه الأمور.

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع