هل نحن مستهلكون مسلمون

هل نحن مستهلكون مسلمون

يعرف المستهلك بأنه كل شخص يقتني سلعاً أو خدمات لإشباع حاجاته وتحقيق أغراضه المشروعة في مختلف مراحل حياته. أما حماية المستهلك فهي تعني استعمال المجتمع المسلم لوسائل شرعية تحفظ مصلحة المستهلك الآنية والمستقبلية في المواد وفي جميع السلع والخدمات، والعجيب أن الحكومات الغربية لم تهتم بالمستهلك وتوفير الحماية القانونية له سوى بعد الحرب العالمية الثانية وأضحت حماية المستهلك حقا معترفا به من حقوق الإنسان حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من الحقوق الخاصة بالفرد بصفته مستهلكا في قرار لها وهو القرار 39/328 لسنة 1985 وتتضمن حماية المستهلك بمحاربة الغش التجاري وحمايته من الأضرار الصحية الناتجة عن استعمال مواد كيميائية أو أغذية فاسدة وفحص السلع المستوردة ومحاربة الاحتكار ووضع مواصفات قياسية للإنتاج والاستيراد والتصدير، فضلا عن تأسيس أجهزة رقابة تتولى ملاحقة المخالفين للقانون وعدم السماح بترويج الإعلانات المضللة وإلزام المنتجين بالإشارة إلى الأضرار الجانبية للمنتج مثل السجائر والأدوية والمواد الكيمائية، فضلا عن توسيع فرص الاختيار للمستهلك للمفاضلة بين السلع من صنف أو نوع واحد واختيار ما يناسبه.

أما الشريعة الإسلامية فهي تحمى المستهلك من:

نفسه: بإلزامه بقاعدة الأولويات حيث يبدأ بالإنفاق على الضروريات ثم الحاجيات ثم الكماليات. وقال تعالى "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ" الأعراف: 31. وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "كل ما شئت وأشرب ما شئت دون إسراف أو مخيلة"

المنتج: بإتقان الصنع مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"، كما أمره الإسلام بعدم الغش فقال صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا"

التاجر: فقد أمر الإسلام بحرية المعاملات في الأسواق وأن تكون خالية من الغش والتدليس والمقامرة والجهالة والغرر والمعاملات الربوية، وكل صيغ أكل أموال الناس بالباطل وصيغ الميسر وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال"إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلاّ من اتقى الله وبر وصدق"، وكذلك يقول في حديث آخر: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ".

جور السلطان: لا يجوز للحاكم التدخل في التعسير بدون ضرورة شرعية يقرها أهل الفقه والعلم، ولا يجوز له أن يفرض المكوس (الضرائب) على التجار ليغلى الأسعار على الناس كما لا يجوز للحكومة أن تفرض على المعاملات خراجا كنوع من الضرائب ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذه سوقكم فلا ينتقص ولا يضربن عليه خراج".

إن الإسلام دين شامل ومنهج حياة، وهو عقيدة وشريعة، عبادات ومعاملات، يوازن بين متطلبات الروح من العبادات ومتطلبات الجسد من الماديات يربط الحياة الدنيا بالآخرة فحماية المستهلك للسلع والخدمات في الإسلام تتم من خلال طبيعة السوق الإسلامية، فطبيعتها أنها سوق حرة منظمة بقواعد الشريعة وتخضع لرقابة السلطة لأن الدولة في الإسلام هي دولة العقيدة، عليها أن تراقب التزام الناس لمقتضيات العقيدة في الحياة اليومية على المستوى الاقتصادي وغيره. وهناك قاعدة إسلامية مهمة يتناساها الجميع وهي منع الوكالات أو البيع من خلال وسيط لأن ما يؤدي من ثمن إضافي للوسيط أو الوكيل يثقل كاهل المستهلك، قال صلى الله عليه وسلم "لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" أي أن رسولنا الكريم قد أمر المنتجين بأن يبيعوا إنتاجهم مباشرة حتى لا تزيد الأسعار وهذا المبدأ هو الأساس الذي تقوم عليه منظمة التجارة الدولية. وفي نفس الوقت فإن الإسلام يشجع على الرقابة الذاتية "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" آل عمران: 104. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

وبعد أن عرفنا بماذا ينادي الإسلام دعونا ننتقل إلى مجتمع غير مسلم. ففي نهاية سبعينيات القرن الماضي حاول تجار السكر الإنجليز زيادة سعر السكر عدة بنسات فما كان من المجتمع على اختلاف أصوله العرقية إلا أن قام بمقاطعة السكر واستبدلوه بالعسل ودبس قصب السكر ومختلف البدائل الأخرى. وأتذكر انني قمت في بداية المقاطعة وبدون أن أعرف عنها بمحاولة شراء سكر وكنت أرى الوجوه علت عليها نظرة غضب ولم أعرف السبب حتى تقدمت إلي عجوز وشرحت ما يقومون به من مقاطعة للسكر فأخذت الكيس وأرجعته لمكانه عندها هلل الجميع لهذا العمل عندها تذكرت قول رزين بن الأعرج "غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب كرم الله وجهه بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا فكتب أن أرخصوه بالتمر". وفعلاً بعد أيام قليلة قام التجار الإنجليز بخفض سعر السكر إلى أقل مما كان عليه قبل المقاطعة. أيضاً من الأمور التي شاهدتها عندما كنت أدرس اللغة الإنجليزية في بريطانيا أن رب الأسرة وقبل أن يتسلم أجرته الأسبوعية كان يقوم بتقسيمها إلى أربعة أقسام وهي: 1. الضروريات. 2. الحاجيات. 3. الادخار والاستثمار وآخر قسم وهو 4. للكماليات. وكانت تنشب في كل مرة معركة بين أفراد الأسرة لأن كل فرد يرى احتياجاته ضرورية ولكنهم في النهاية يوافقون رب الأسرة على ذلك التقسيم. هذا هو جزء من المجتمع الذي يدين بالنصرانية نراه يطبق مبادئ الشريعة الإسلامية بحذافيرها أما نحن المسلمين فللأسف فإننا بعيدون كل البعد عن تلك المبادئ التي تؤدي إلى رضا رب العالمين وتسعدنا في الدنيا والآخرة.

وفي الختام وكخطوة أولى للوصول إلى المجتمع المسلم وبأسلوب "من رأى منكم منكرا فليغيره" فإنني أنادي بإنشاء منتدى قطري يحرره المستهلكون بأنفسهم لتنشيط حركة منظمة وموحدة للمستهلك القطري لتعزيز الرقابة الشعبية على الأسواق وتحذير المستهلكين ممن يحاول استغلالهم.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع