العزاب وسكن العائلات

العزاب وسكن العائلات

كتبت جريدة الشرق الأسبوع الماضي بتاريخ 16 /10 /2011 "تجري وزارة البلدية والتخطيط العمراني استعداداتها على قدم وساق لتطبيق القانون رقم (15) لسنة 2010م بشأن حظر سكن العمال داخل مناطق سكن العائلات اعتبارا من أول نوفمبر القادم، حيث تم تدريب مفتشي المباني مؤخراً على كيفية تطبيق القانون". ومن القراءة السريعة لبعض مواد القانون الغريب، يتضح التالي:

تنص المادة (1) على "يحظر على مالكي العقارات وأصحاب الأعمال تأجير أو استئجار الأماكن.. لسكن.. العمال داخل مناطق سكن العائلات". إن صاحب الأعمال، كما هو معروف، يبحث عن الأماكن التي يمكن أن تؤوي عمالته بأرخص الأسعار، وذلك حتى لا تكون المصروفات الجارية عالية جداً مما يؤثر على ربحيته أو على أسعار سلعته وخدماته، وفي نفس الوقت فإن صاحب العقار يريد أن يؤجر مبناه ليستطيع تسديد أقساط القروض التي عمّر بها المبنى. وفي هذه المادة ضرر كبير على الطرفين والذي يتحمل هذا الضرر المواطن بالدرجة الأولى.

ونصت المادة الثانية من القانون على: "في حالة وجود سكن لتجمعات العمال.. داخل منطقة العائلات.. تقوم وقتها البلدية المختصة بإثبات الواقعة.. وفي حالة عدم إزالة أسباب المخالفة خلال 30 يوماً، يصدر مدير البلدية المختص قراراً بإخلاء العقار إدارياً". وهذه المادة خطرة جداً لأن الاجتهاد فيها كبير وتعتمد على رأي وتفسير البلدية المختصة وفي نفس الوقت هي مخالفة لمواد الدستور الدائم للبلاد وبالأخص المادة (26) والمادة (27). إن حرمان الشخص من التصرف في أملاكه سيضع عليه مشاكل عديدة يأتي على رأسها مشكلة سداد القروض فكيف يستطيع الشخص تسديد هذه القروض إذا ظل العقار بدون مستأجرين. وهذا بدوره يتطلب حصول المالك على التعويض المناسب من الحكومة التي أوعزت إلى الدولة بإصدار هذا القانون. أما المخالفات المالية المترتبة على ملاك العقار فحدث ولا حرج، فهي تبلغ في حدها الأدنى عشرة آلاف ريال، وفي حدها الأقصى خمسين ألف ريال. وإذا تكررت المخالفة فتضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى. يعني احتمال أن يصبح العقار ملكاً للحكومة عن طريق فرض المخالفات المالية. والمشكلة في هذا القانون أنه "في حالة عدم الرد على التظلم خلال 30 يوماً فيعتبر رفضاً له". وهذا يعني أن الجهة المخولة ببحث التظلم ليس لها القدرة على مواجهة وإقناع صاحب الحق وتصبح العملية جبرية وقهرية على المواطن من الحكومة التي كان من المفروض قيامها بحمايته وحماية أملاكه.. بل نجد أن نفس المادة تجبر المحكمة بإزالة أسباب المخالفة مهما كانت الظروف المحيطة، ومن الواجب قانوناً أن لا يجبر أحد المحكمة في إنفاذ الأحكام قبل بت المحكمة بها. أما العجب العجاب فهو ما ورد في المادة (7) فقد نصت على أن "تلغى بقوة القانون جميع العقود والاتفاقات بكافة صورها.. التي قد أبرمت في تاريخ سابق على العمل بأحكامه". ونذكر الحكومة وليس الدولة بأننا مسلمون وأن الله تعالى قد خص العهد بآيات كثيرة منها قوله تعالى (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء: 34 (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون: 8. أما المادة (6) من الدستور فتنص على أن تحترم الدولة المواثيق والعهود الدولية، وتعمل على تنفيذ كافة الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية التي تكون طرفاً فيها. فإذا كان احترام الدولة للمواثيق والعهود الدولية ملزما فالأحرى أن يتم الاحترام الأكبر لكل ما يقوي الجبهة الداخلية. إنني على علم بأن الجهات الرسمية التي تصدر الرخص التجارية بوزارة الأعمال والتجارة لديها نماذج من تعهدات مختلفة تجبر الشركات على إخلاء السكن إذا ترتب على وجود العمالة ضرر ولو بسيط على السكان الآخرين، وكان من الأحرى بدلاً من تعميم الحالة على الجميع أن تتم معالجة كل حالة على حدة وذلك لمنع إحداث ضرر أكبر لأفراد المجتمع. وكان من المفترض، حسب وجهة نظري، عدم إصدار هذا القانون أصلاً وذلك راجع لعدة أسباب من أهمها:

• إن مشكلة سكن العمال هي نتيجة حتمية للخلل في التركيبة السكانية.

• لا تتوفر أبنية مجهزة يمكن أن تلجأ إليها هذه الأعداد الكبيرة من العزاب.

• سيؤدي إلى رفع قيمة إيجارات سكن العمال في المنطقة الصناعية والمزارع.

• سيترتب عليه عدم قدرة الملاك على سداد أقساط القروض.

• سيخلق مشكلة مرورية من جراء انتقال العزاب إلى أعمالهم وبالعكس.

• القانون لا يميز بين العزاب بناء على درجاتهم الوظيفية أو غيرها.

• بناء السكن سيزيد في الصناعية على حساب هدفها الرئيسي.

ولا أعرف يا مجلس الشورى ما هو الغرض من هذا القانون؟ ولماذا صدر في هذا التوقيت بالذات؟ أما مجلس الشورى السعودي، في الجانب الآخر، فنجده قد استطاع التوفيق بين سكن العزاب وعدم التعرض للملاك في أملاكهم وحلالهم، وذلك عن طريق إقرار ضوابط لسكن العزاب داخل الأحياء السكنية ومن أهمها التالي:

1. أن يقع المبنى على طريق رئيسي محيط بالحي.

2. أن يكون المبنى بعيدا عن مدارس البنات وسكن الطالبات بمسافة لا تقل عن 500 متر.

3. أن يراعى في تصميم النوافذ خصوصية المجاورين وبالنسبة للمباني القائمة يشترط وضع ساتر ثابت.

وقامت الهيئة الملكية بالجبيل (هيئة حكومية)، وقبل تطبيق تلك الضوابط، بإنشاء عدد من الأحياء العمالية لإسكان عمالة المقاولين وغيرهم وجهزتها بجميع التجهيزات اللازمة على أفضل المستويات بحيث يكون كل حي على شكل قرية مصغرة متكاملة الخدمات.

مع أنني من المؤيدين لمثل هذا القانون ولكن من أسس التخطيط السليم النظر إلى النتائج المترتبة بمثل هذه القوانين على المواطنين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والمعيشية، ولكن للأسف ان الذي يحصل عندنا في قطر هو أصدر القانون وطبقه حتى لو كان غير منطقي، واكتب وحصل المخالفات (لخزينة الدولة) لغير المتقيدين به.. وبعد ذلك يتساءل الجميع لماذا الأسعار في قطر نار على نار.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع