التعليم والدستور والواقع

التعليم والدستور والواقع

لقد ذكرت المادة (25) أن التعليم دعامة أساسية من دعائم تقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه، وتسعى لنشره وتعميمه. أما المادة (49) فلقد أكدت أن التعليم حق لكل مواطن وتسعى الدولة لتحقيق إلزامية ومجانية التعليم العام، وفقاً للنظم والقوانين المعمول بها في الدولة. والسؤال هو كيف يتم التعامل مع هاتين المادتين. فأول نقطة تصادفنا هو طريقة قبول الطلبة. إن قبول الطلبة، وللأسف، يعاني من الواسطة ومع نهاية كل سنة دراسية يتم إذلال الأهالي بهدف حصولهم على مقعد دراسي لصغيرهم للسنة التعليمية القادمة فمرة تصر المدرسة على أن يتسابق أولياء الأمور من الباب الخارجي للمدرسة إلى مبنى الإدارة ومرة يتم توزيع أرقام ومرة ثالثة يطلبون أرقام هواتفهم لأن المدرسة سوف تتصل بهم والمشكلة إن ولا واحد من هؤلاء يحصل على مقعد لصغيره إلا بالصدفة. مع أن الدستور نص صراحة على "أن التعليم حق لكل مواطن.. وأن التعليم العام إلزامي" يعني من جهة حق ومن جهة أخرى إلزامي. والملاحظ أنه خلال هذه السنة هددت الحكومة، استناداً للدستور، بالسجن لكل ولي أمر يتخلف عن إلحاق طفله بالمدرسة وعندما يذهب ولي الأمر للمدرسة القريبة من سكنه يقولون له أنه لا يوجد مقعد لطفلك مما يترتب عليه قيام ولي الأمر وجميع أفراد الأسرة بالاتصال مع جميع مدارس قطر للبحث عن كرسي ولهذا فليس غريباً أن يسكن الفرد في الخريطيات، على سبيل المثال، ومدرسة ابنه في الهلال. ومساكين الأطفال يوقظونهم من قبل الفجر ويركبونهم السيارات وهم نيام وذلك لضمان توصيلهم للمدرسة قبل طابور الصباح.

وبعد أن يلتحق الطالب بالمدرسة نجد أن البيئة التعليمية غير سليمة لأن الترفيع الآلي الذي أدخل على الطلبة في المرحلة الابتدائية يعني أن نجاحهم مضمون بغض النظر عن مستوى أدائهم مما خلق نوعاً من الصراع النفسي لدى الطلبة المتفوقين بسبب مساواتهم بالطلبة الأقل تحصيلاً وفي نفس الوقت يعاني الطلبة الأقل تحصيلاً من عدم القدرة على مجاراة أقرانهم المتفوقين في نفس المستوى مما أدى إلى تفشي العنف في المدارس. ونجد أن الطالب في المرحلة الإعدادية أو ما يسمى السنة 7 — 9 لا يقرأون ولا يفكرون بشكل صحيح ومع ذلك فإن نجاح بعضهم مضمون لأن النجاح والرسوب بيد صاحب الترخيص. إن إعطاء مديري المدارس الصلاحيات المطلقة لعملية التقييم سيخلق بيئة فاسدة يتم على أساسه ترفيع العديد من الطلبة للمستوى الدراسي الأعلى بدون وجه حق. أما أحدث ما قدمه النظام التعليمي القطري هو تطبيقه لنظام الاختبارات الوطنية والتي تعدها شركة أمريكية وليست جهة وطنية ويتم ترجمتها للعربية من جهة غير وطنية وذلك قبل تطبيقها وطنياً على الطلبة الذين هم أنفسهم لم يفهموا بعض أسئلة الاختبارات التي تسمى وطنية.

وحتى نفهم روح النظام التعليمي القطري يجب أن نعرف ماذا قال بوش الذي اعتلى المنبر الخطابي في غضون شهر واحد مرتين (مارس/أبريل 1991) ففي الخطبة الأولى أعلن انتهاء حرب تحرير الكويت بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. أما الخطبة الثانية فقد أعلن فيها وثيقة أمريكا لإستراتيجية التربية 2000 وحتمية قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للنظام التربوي في المنطقة. ووضعت تبعاً لذلك أهدافاً للتعليم الأمريكي من أهمها:

• يجب أن ترتفع نسبة التخرج من المدرسة الثانوية لتصل إلى 90 % على الأقل.

• أن يرتفع تحصيل الطلبة في موضوعات ومواد التحدي التي تشمل اللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا.

إن التعليم القطري، كما وضح لنا من المقابلات، مقتبس لجزء كبير من النظام التعليمي الأمريكي إلا إن الاختلاف حدث في التطبيق. إن النظام التعليمي الجيد، الذي نعرفه ونقدره، يقوم على المدرس الجيد المرخص له بمزاولة مهنة التعليم، وأعتقد لغياب الجهات الرقابية، فإن عدد من يحمل الشهادات التربوية المطلوبة للتدريس قليل جداً. وكلنا نعرف أن أمريكا لا تسمح لأي مدرس يدخل الفصل إلا بعد أن ينجح في امتحان الكفاءة المهنية لترخيص المعلم. أما مواد التحدي المقتبسة من النظام الأمريكي التي تشمل اللغة الإنجليزية (اللغة القومية لهم) والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا فقد تم تطويرها في قطر. فاستبدلت اللغة العربية وهي اللغة القومية لدولة قطر باللغة الإنجليزية وتم إلغاء الجغرافيا وتهميش التاريخ والشريعة الإسلامية التي هي الأساس المرتكز عليها قيم ومبادئ المجتمع القطري. ومع أن السنة الدراسية في أمريكا تبلغ ستة شهور دراسة فعليه فقد قام المسئولون بهدف خلق علماء قطريين فلتة زمانهم بإطالة السنة الدراسية وفي نفس الوقت بإطالة اليوم المدرسي المنهك في أجوائنا الحارة وفصلوا الطفل عن بيئته الطبيعية مما أدى إلى حرمان الطالب المسكين من التمتع بطفولته وعدم قدرته على تكوين صداقات خارج زملاء المدرسة وعدم قدرته على بناء شخصيته المستقبلية من خلال بيئته التي يعيش فيها ويتعايش معها.

كل تلك الأمور، وغيرها الكثير التي لا داعي لذكرها، جعلت قطر تأتي بالمؤشر التعليمي الدولي في المرتبة 70 من مجموع 179 دولة أما مؤشر التنمية البشرية فقطر في الترتيب 33 من 38 دولة أما مؤشر معدل معرفة السكان بالقراءة والكتابة فهي في الترتيب 84 من 180 دولة. وللأسف لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع الأصوات في برنامج وطني الحبيب.. صباح الخير تطالب بحل مشاكلهم مع النظام التعليمي.

إنني من الذين يطالبون بالتغيير للأفضل إلا إنني في هذا كنت أتمنى بقاء وزارة التربية والتعليم التي تقوم بالعملية التعليمية بالكامل حتى تعيين الإدارات والمدرسين وتحديد الإجازات وعلى المدارس العامة والخاصة التطبيق وكانت الوزارة تملك الأدوات اللازمة للتأكد من مسار كل مدرسة ومدرس وفق ما رسم وحدد في الخطة التعليمية. إننا لا نرغب أن نصل إلى أن يصنف المدرسون في قطر المدارس الحكومية بأنها "معامل للفشل" كما هو الحال في أمريكا.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع