عدم دستورية قانون حماية المجتمع

عدم دستورية قانون حماية المجتمع

من المعروف أنه لا يتم إعداد الدستور إلا عندما يصل الشعب والسلطة إلى قناعة بأهمية وجوده، من أجل بناء الدولة الديمقراطية وحماية الحقوق والحريات، بالإضافة إلى الفصل بين السلطات، من أجل الوصول إلى أقصى قدر ممكن من الحماية للدولة ومؤسساتها وحقوق الأفراد فيها. وعندما أعد الدستور القطري والحمد لله كانت هناك قناعة كبيرة فيه من الشعب والسلطة. ولقد أتت نصوص الدستور القطري واضحة وصريحة، وذلك لتحقيق فصل بين السلطات لحماية الدولة ومؤسساتها، وحقوق الأفراد، وتثبيت الحريات. ففي المادة (18) ذكر أن المجتمع القطري يقوم على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق. والمادة (19) أكدت أن الجهة المسئولة عن صون دعامات المجتمع هي الدولة. أما المادة (36) فقد كفلت الحرية الشخصية، وعليه فلا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون. ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون. وأكدت المادة (37) على خصوصية الإنسان وحرمتها فلا يجوز تعرض أي شخص، لأي تدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو أية تدخلات تمس شرفه أو سمعته، إلا وفقاً لأحكام القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه. ولكن جميع المواد التي ذكرت قد تفسر بشكل آخر لأنها قد شملتها عبارة "إلا وفق أحكام القانون" فالمشرع، مع غياب مجلس الشورى المنتخب، يستطيع سن ما يحلو له من قوانين تجيز له القبض على أي شخص "وفقاً للقانون" ولذلك قام الدستور في المادة (39) بجعل المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، ليس أمام الحكومة ولكن أمام القضاء في محاكمة توفر له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع. فسيادة القانون كما بينته المادة (129) هي أساس الحكم في الدولة. وشرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم ضمان للحقوق والحريات. ولهذا فالسلطة القضائية مستقلة ولا تتبع الحكومة ولكنها تتبع لرئيس الدولة وحتى الأحكام التي تصدرها باسم رئيس الدولة. وأكد هذا النهج مادة (131) التي ذكرت أن القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية جهة التدخل في القضايا أو في سير العدالة. والمادة (135) تبين أن حق التقاضي مصون ومكفول للناس كافة، ويبين القانون إجراءات وأوضاع ممارسة هذا الحق. وبعد كل ذلك نستطيع القول أنه ليس من حق السلطة التنفيذية إيقاف الناس أو الحد من حريتهم أو تحويلهم للقضاء إلا في حالة التلبس ومن خلال النيابة العامة وذلك كما نصت عليه المادة (136): تتولى النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع، وتشرف على شئون الضبط القضائي وتسهر على تطبيق القوانين الجنائية. والنيابة هي جزء من السلطة القضائية وليس التنفيذية. وبهذه الحالة خرجت من يد السلطة التنفيذية قوة الدولة البوليسية التي على أساسها يتم القبض على الناس بدون أدلة وبراهين تؤيد المزاعم وبدون الحصول على أمر تفتيش أو قبض من السلطة القضائية المنفصلة عن السلطة التنفيذية. والعجيب في الأمر أن دولة قطر، كما قال الرئيس الأمريكي، كرست نفسها للدفاع عن المظلومين في كل مكان في العالم وتنادي بعدم جواز حبس الشخص إلا بعد عرضه على القضاء. وهذا يقودنا إلى موقف متناقض: هل حرام على غيرنا القبض على الأشخاص إلا بعد عرضهم على القضاء وحلال علينا ما حرم على غيرنا؟

ونأتي الآن إلى بيت القصيد وهي أن المادة (1) من قانون حماية المجتمع حددت الجرائم التي يطبق عليها القانون كالتالي: المتعلقة بأمن الدولة أو لعرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة. ولنتأمل هذه الجرائم. الجريمة الأولى: أمن الدولة: إن أمن الدولة والحمد لله مستتب تحت راية سمو أميرنا المفدى ولم تنغص علينا سوى حادثتين فقط. أما بقية الحوادث فهي اختلاف في وجهات النظر لا أكثر ولا أقل. وإذا كان الخوف يأتي من هذا الباب فأحسن حل لهذا الاختلاف هو إرجاع مقص الرقيب في دولة الدستور والمؤسسات والحرية والديمقراطية. أما الجريمة الثانية فهي لعرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة: والمتسبب في تفشي هذه الظاهرة، حسب رأيي الشخصي، هو الحكومة. وحتى نقضي على هذه الظاهرة فعلى الدولة إيجاد الوظائف للمواطنين وعدم تحويلهم إلى التقاعد حتى تصبح لديهم السيولة اللازمة للتمكن من الزواج والاستقرار. أما الوافدون فلهم السجن أو التسفير أو كلاهما من مبدأ "يا غريب كن أديب".

وخيراً فعل مجلس الشورى عندما رفض صباح 30 /5 /2011 بالأغلبية تعديل مواد القانون للأشد. وكان من المفروض على مجلس الشورى، حسب ما أراه، أن لا يعرض تعديل القانون لأن الأصل هو العمل على إلغاؤه لمخالفته الصريحة لمواد الدستور. ولكن العجب كل العجب أن هناك 11 عضواً من أعضاء مجلس الشورى يؤيدون تعديل القانون الذي نرى أنه تعد صارخ على التعاليم الإسلامية وعلى الدستور القطري وعلى السلطة القضائية وعلى الأفراد وعلى القوانين الدولية لحقوق الإنسان. ونسأل أنفسنا: هل هؤلاء الـ11 عضوا يرون ما لا نراه؟ وهل هذا يعتبر نوعا من أنواع إسداء النصيحة الإسلامية السليمة للحاكم؟ هل يدخل ما يقوم به هؤلاء كجزء من تنفيذ القسم الذي قاموا بتأديته عند دخولهم للمجلس؟

وفي الختام نقول: لقد جلسنا يومين نفتش في الإنترنت ولم نجد أي دولة في العالم، حتى في الدول المتخلفة، من لديها مثل هذا القانون. والله يعينكم يا عزاب ويا أصحاب القلوب الخضراء ويا أصحاب الأقلام الجريئة، ترى ثلاث سنوات سجنا بدون أمر قضائي أمر مش هين

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع