المصرف المركزي وارتفاع الأسعار

 

المصرف المركزي وارتفاع الأسعار

لقد تحدث العديد من الكُتَّاب والمختصين عن أسباب زيادة أسعار السلع والخدمات في قطر مقارنة بنظيراتها من دول مجلس التعاون الخليجي وما أود ذكره هو أن هناك أسباباً وجوانب أخرى لم يتم التطرق إليها وتعتبر في غاية الأهمية وتؤدي إلى رفع الأسعار بشكل جنوني. ولقد اتضحت الصورة عندي عندما قمت باستعراض المادة (4) من المرسوم بقانون (33) لسنة 2006 بشأن مصرف قطر المركزي (المصرف) التي تنص على أن يعمل المصرف على تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية والتنموية العامة للدولة بما لا يتعارض مع الأهداف التالية:

أولاً: استقرار سعر صرف الريال القطري: ونحن نقول: لم يكن في يوم من الأيام أي علاقة بين المصرف وبين سعر صرف الريال والبركة في ذلك يعود إلى تصدير النفط والغاز وسعر صرف الدولار. فكلما انخفض الدولار مقابل سعر العملات الأخرى ارتفعت أسعار السلع والخدمات في قطر.

ثانياً: استقرار أسعار السلع والخدمات: ونحن نقول: هل تساءل أي شخص عن أسباب زيادة أسعار السلع والخدمات في قطر؟ إن رجال الأعمال في دولة قطر لا يستطيعون منافسة أشقائهم، على سبيل المثال، "السعوديين". ففي السعودية فإن رجل الأعمال يقترض بفائدة لا تتجاوز 3 % فلذلك نجده يعمل لصالحه ولصالح المستهلكين بينما في قطر فإن رجل الأعمال يقترض بفائدة لا تقل عن 9 % ولذلك فإنه يعمل لصالحه عن طريق رفع الأسعار على المستهلكين لتعويض نسبة الفوائد التي تجنيها البنوك من أعماله بإيعاز من المصرف. ويعتبر سعر الفائدة أحد أهم العناصر المؤثرة على الأسعار. وهو يمثل سعر فائدة المبالغ التي تتقاضاها البنوك مقابل تقديم القروض والتسهيلات لعملائها وإذا ما قام المصرف برفع سعر الفائدة وسعر الخصم فتصبح تكلفة الاقتراض مرتفعة وبدورها تقوم البنوك بنقل هذا العبء على عملائها عن طريق رفع سعر الفائدة على القروض الذين بدورهم ينقلونه إلى المستهلك البسيط. إن النشاط الصناعي والتجاري والخدمي، في كل دول العالم، يعتمد على الاقتراض من البنوك ولهذا نجد أن البنوك المركزية في الدول التي تسعى للوصول إلى تنمية حقيقية لاقتصادياتها والمحافظة على الأسعار أوجدت ما يعرف بمعدل الإقراض الداخلي للبنوك ففي بريطانيا (لايبور) وفي السعودية (سايبور) وفي هونج كونج (هايبور) وفي الإمارات (ايبور) والذي تتشجع البنوك، على أساسه، إقراض الشركات وتقليص الفارق السعري بين سعر القرض والسعر السائد بين البنوك مما يعطي البنوك مرونة لحماية أنفسهم من ارتفاع السعر الرسمي ويحافظ على معدل هامش الربح والذي من شأنه المساعدة على دعم الانتعاش الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص على الاقتراض. وسبق أن أجبر البنك المركزي البريطاني عدة بنوك على دفع تعويضات بأثر رجعي بعد اكتشافه المبالغة بسعر الإقراض.

ثالثاً: الاستقرار المالي والمصرفي: ونحن نقول: إن المصرف المركزي، وهذا من وجهة نظري الخاصة، هو آخر من يسعى للاستقرار المالي والمصرفي في دولة قطر. نحن مع المصرف في تبنيه نظام مراقبة البنوك وتعزيز الشفافية ومكافحة غسل الأموال والقضاء على تمويل الإرهاب وتجنب الاحتيال المالي وغير ذلك من الأنظمة والقواعد لتعزيز متانة النظام المالي. إن تحقيق الاستقرار المالي والمحافظة عليه يعتبر شرطاً أساسياً لنمو اقتصادي قوي متوازن يكون تأثير تقلبات أسعار النفط عليه محدوداً ونسبياً، ويتمكن في ظله كافة المشاركين في السوق من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد. بل ويساهم أيضاً في إيجاد بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية. وفي مقابلة مع جريدة الشرق بتاريخ 14 /2 /2010 نفى سعادة محافظ المصرف المركزي أن يكون المصرف قد تدخل لتقييد القروض التي تمنحها البنوك العاملة في الدولة وفي نفس المقابلة ذكر قيام المصرف بامتصاص السيولة الفائضة لدى البنوك وتقييد قدرة هذه البنوك على ضخ مزيد من السيولة في الاقتصاد المحلي عن طريق قيام المصرف برفع نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك العاملة في الدولة وقيامه بإصدار شهادات إيداع متعددة الآجال. يعني ذلك شل قدرة البنوك في تمويل الاقتصاد المحلي. وآخر عمل للمصرف المركزي هو إصدار قرار بتصفية الفروع الإسلامية للبنوك التجارية كأن هذه الفروع أنشأت بدون علم المصرف ومارست نشاطها بعيداً عن رقابة المصرف الأمر الذي أربك العمل المصرفي وقطاع الأعمال وارتفعت الأسعار وساهم ذلك أيضاً في عدم الاستقرار المالي الذي ظهر واضحاً من خلال حركة أسهم البنوك في سوق قطر المالي والأخطر من ذلك أن الطلب بتصفية الفروع الإسلامية لم يرافقه بيان بكيفية تنفيذه.

يا مصرف قطر المركزي إنه ليحزننا أن نقول لكم بأن في الاقتصاد لا يوجد قرار إلا وله آثار سلبية وايجابية. فعدم تحديد سعر الفائدة المناسب مع دولة بترولية بميزان مدفوعات قوي ولديها رصيد هائل من العملات الصعبة يؤثر تأثيراً سلبياً على الحركة الاقتصادية ويساهم في ركود اقتصادي خطير جداً مما ينتج عنه ارتفاع في أسعار السلع والخدمات والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض معدلات الربح. وإن تأثير انخفاض الأرباح في القطاع الإنتاجي يؤدي إلى تدهور الدورة المالية الذي يقود إلى تجنب رجال الأعمال لعملية الاقتراض الذي يجعل البنوك، كما ذكر لي أحد المسئولين في بنك رائد، تعاني من عبء الحجم الهائل للإيداعات الموجودة في البنوك دون توظيف ولذلك يأتي خفض سعر فائدة الإقراض ضرورة ملحة بهدف الحد من ارتفاع الأسعار.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع