مجلس الشورى المنتخب

 

الدكتور محمد بن علي الكبيسي

مجلس الشورى المنتخب

نشرت بتاريخ 19/9/2010

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارهم اختياراً حراً. ولا يخفى على أحد أهمية إجراء الانتخابات لممثلي الشعب، وأنه لا وجود للديمقراطية من دون إجراء انتخابات نزيهة دورية منتظمة. والكل يعلم أن أي نظام انتخابي ليس بالضرورة أن يعمل بنفس الطريقة في جميع دول العالم. لأن هذه الدول تعتمد بصورة أساسية على نوع النظام الانتخابي المتبع والتي تتضمنها قوانين الانتخابات لديها. وبشكل عام فإن نتائج اختيار النظام الانتخابي يعتمد على عوامل عديدة مثل، طريقة تنظيم المجتمع من حيث الأيديولوجية الدينية أو العرقية

 

إن الأنظمة الانتخابية لابد أن تصمم ليس فقط للعمل بها في الوقت الراهن بل أيضاً المقبل وذلك بقصد استيعاب المتغيرات المستقبلية في المواقف والسلوك الانتخابي كحوافز للتغيير. ويمكن أن تسهم القوانين الانتخابية في تطوير ديمقراطية مستقرة أو أنها يمكن أن تكون حجر عثرة أمام ذلك.

 

إن فكرة الديمقراطية، في الحياة العامة القطرية، لم تكن جديدة ففي الماضي كانت المجالس التي يحضرها الرجال تمارس الديمقراطية بكافة أشكالها ومستوياتها، ولكن مع تغير التركيبة الاجتماعية في المجتمع القطري بسبب إعادة التوزيع السكاني، وقيام أفراد القبيلة بالسكن بجانب أفراد من قبائل أخرى، وأيضاً لقيام هؤلاء بالسكن بجانب غير المواطنين في أحياء سكنية حديثة، غير مرتبطة بهم تاريخياً أو اجتماعياً، أدى إلى ركود وتخليف لديمقراطية المجتمع القطري. واستمر هذا التخلف إلى أن وصل سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى سدة الحكم عام 1995، حيث أصدر سموه قانون (12) لسنة 1998 بتنظيم قانون انتخاب المجلس البلدي المركزي. وجرت الانتخابات الأولى في المجتمع القطري في عام 1999 لانتخاب أعضاء المجلس وقد أتاحت هذه الانتخابات الفرصة أمام أعداد كبيرة من المواطنين لتسجيل أنفسهم كمرشحين وناخبين. وكانت نتيجة ذلك أن ظهرت للسطح ثنائية متناقضة وضارة في نفس الوقت فلقد كانت الوسائل والأدوات حديثة المسلك في حين أن الأهداف والمضمون تقليدي ولهذا وصل إلى المجلس البلدي أعضاء يمثلون عدد قليل من القبائل وهمشت قبائل وعائلات أخرى تهميشاً كاملاً.

 

والسؤال المهم الذي سنحاول الإجابة عليه هو: هل تعني الانتخابات وجود نظام ديمقراطي؟ والسؤال نفسه ولكن بشكل آخر هو هل الانتخابات ضمان لقيام الديمقراطية؟

 

تحدد المادة (1) من الدستور على أن "قطر دولة عربية ذات سيادة مستقلة. دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، ونظامها ديمقراطي، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. وشعب قطر جزء من الأمة العربية" فتم تعريف النظام الرسمي للدولة بأنه نظام ديمقراطي، وعليه فقد تم ترسيخ مبدأ قيام القطريين على إدارة وحكم أنفسهم. 

 

لقد حددت المادة (59) بأن الشعب مصدر السلطات ويمارسها وفقاً لأحكام هذا الدستور، وذلك استناداً لما حددته المادة (1) من الدستور وهي "ونظامها ديمقراطي". وبما أن الشعب أصبح هو مصدر السلطة فقد وضع الدستور القطري السلطة التشريعية من حيث الأهمية في المقام الأول تأتي بعدها في الترتيب السلطة التنفيذية ومن ثم السلطة القضائية (انظر المواد (61) و (62) و (63) )

 

وعندما نستعرض مواد الدستور القطري فإننا نجد أن الدستور قد حدد في المادة (80) الشروط العامة الواجب توافرها في عضو مجلس الشورى بالتالي:

1.   أن تكون جنسيته الأصلية قطرية.

2.   ألا تقل سنه عند قفل باب الترشيح عن ثلاثين سنة ميلادية.

3.   أن يجيد اللغة العربية قراءة وكتابة.

4.   ألا يكون قد سبق الحكم عليه نهائيا في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره وفقا للقانون.

5.   أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.

 

نجد أن تلك الشروط، مع أهميتها، تخلو من أن يكون صاحب كفاءة علمية وخبرات عملية وأن يمثل طائفة من السكان القطريين وهذا، من وجهة نظري، أمراً مهماً للمحافظة على استقرار البلد وعلاقة المجتمع بأفراده. إن دور مجلس الشورى، كما رسمه الدستور، يعتبر دوراً أساسياً ومحورياً في ترتيب البيت القطري ففي المادة (76) ذكر بالنص "يتولى مجلس الشورى سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية، وذلك على الوجه المبين في هذا الدستور."

 

وبما إن مجلس الشورى يختلف كلياً عن المجلس البلدي فعليه لابد من أن تكون إجراءات الانتخاب والترشيح مختلفة وهذا ما قررته المادة (78) "يصدر نظام الانتخاب بقانون تحدد فيه شروط وإجراءات الترشيح والانتخاب". وبما أن الدستور لم يعطي الصفة الدستورية لقانون الانتخابات فعليه يعتبر هذا القانون قابل للتعديل حسب الظروف المستجدة في المجمع. ولكن، وللأسف، حتى هذه اللحظة فإنه لم ترخص السلطة التنفيذية بإصدار مثل هذا القانون مما يجعل ما يوازي ثلث الدستور معطلاً عن العمل. ولو صدر هذا القانون فإنه لن يستطيع أن يغفل المادة (42) تكفل الدولة حق الانتخاب والترشيح للمواطنين، وفقاً للقانون. والمادة (79) تحدد الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة ومناطق كل منها بمرسوم.

 

إن تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية قد يؤدي إلى مشاكل أكبر فهناك من القبائل كبيرة الحجم لديها أفراد في مختلف المناطق في حين أن القبائل والعائلات الأخرى تمثيلها يكاد ينحصر في منطقة بعينها. ولم تحدد، كل ما سبق من مواد دستورية، انتماءات المرشحين الذين يحق لهم التقدم للانتخابات وبهذه الصورة فإن أي مواطن يحق له التقدم بترشيح نفسه عن نفسه وليس عن فئة معينة مثل القبيلة أو العائلة أو عن أي حزب سياسي وذلك لغياب الأحزاب السياسية في دولة قطر.

 

وننتقل الآن للنظر في مواد الدستور الأخرى ونقارنها بما سبق بهدف معرفة آثارها. وأهم هذه المواد التي نحن بصددها هي:

 

المادة (19) تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين.

المادة (20) تعمل الدولة على توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة.

المادة (57) احترام الدستور، والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة، والالتزام بالنظام العام والآداب العامة، ومراعاة التقاليد الوطنية والأعراف المستقرة، واجب على جميع من يسكن دولة قطر، أو يحل بإقليمها.

 

وبتحليل هذه المواد فإننا نستخلص بأن الدولة لابد أن تقوم بمهام أساسية لصالح المجتمع منها التالي:

·        صيانة دعامات المجتمع

·        توطيد روح الوحدة الوطنية

·        التضامن والإخاء بين كافة المواطنين

·        مراعاة التقاليد الوطنية

·        مراعاة الأعراف المستقرة

 

إن ترك العملية الانتخابية كما تمارسها المجتمعات الأخرى بدون اعتبار للتاريخ والمكتسبات الثقافية والأعراف المتوارثة سوف تعمل على تقويض ركائز المجتمع القطري بالكامل ولن ينتج عنها سوى تنافر بين كافة المواطنين ونسف كامل للأعراف والتقاليد التي عملت ولا زالت تعمل على تأكيد الهوية القطرية

 

وفي الأسبوع القادم نواصل معكم الوضع الأمثل، من وجهة نظري الخاصة، لمجلس الشورى المنتخب ومن هم الأشخاص الذين سيمثلونه

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع