الواسطة والشفاعة

 

الواسطة والشفاعة

تم النشر بتاريخ 30/8/2010

جاءني أحد الأصدقاء وطلب مني أن أتقدم لجهة حكومية معينة لتسهيل الحصول على موافقة من المسئول عن موضوع معين، وطبعاً أخوكم في الله صاحب فزعة ولذلك قمت بترتيب مواعيدي لأتمكن من زيارة المسئول في الموعد الذي يتواجد فيه في مكتبه بعيداً عن الاجتماعات المحتملة له. وبعد الدخول لمكتب المسئول وتبادل عبارات السلام والترحيب عرضت عليه موضوع الزيارة ولكنه فاجأني بعبارة "إذا كان الموضوع لك فأبشر ولن تخرج إلا بطيبة الخاطر أما إذا كان الموضوع لغيرك فإنني لن أوافق لأن هؤلاء الأشخاص ما ينعطون وجه وكل يوم سيأتون إليك بمواضيع جديدة" سبحان الله هل نحن مسلمين بحق أو مسلمين بالوراثة أليس رسولنا الصادق الصدوق هو القائل: " لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى" وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اشفعوا تؤجروا ". وأذكر أن أحد أبناء الزملاء قدم أوراقه لشركة شهيرة بحثا عن عمل فقالوا له سنتصل عليك، وبعد مرور عدة أشهر لم يتصل به أحد، فقال له أحد الزملاء مازحا : يبدو أن عندك نقصا في الفيتامين  و  أي الواسطة. وكأن الأحداث تجر بعضها البعض فبعد صلاة العشاء من نفس اليوم جلس الإمام والخطيب السيد عيسى بن إبراهيم السادة يحدثنا وكان موضوع الحديث عن أحب الناس إلى الله ومراتبهم فذكر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً" ومن هذا الحديث نستشف بأنه كلما كثر نفع الإنسان لإخوانه كلما ازدادت محبة الله له.

 

ولكن وللأسف فإن هذا المسئول، وغيره الكثيرين، يضعون العراقيل أمام المراجعين مما يضطرهم لطلب الواسطة. إذاً ما هي الواسطة أو الشفاعة؟ وهل هي مشروعة؟ هل هي من بناء المجتمع القطري أم هي دخيلة عليه؟

 

الواسطة تعني المساعدة في تحقيق رغبة الشخص من قِبل أحد أقاربه أو معارفه في إنهاء إحدى المعاملات أو الإجراءات الإدارية، وهي تعرف في الشريعة الإسلامية بالشفاعة وهي السعي في قضاء حاجات الناس ومصالحهم التي تكون عند الآخرين. والرسول صلى الله عليه وسلم صاحب أكبر واسطة في العالم لأنه سيشفع لأمته أي سيتوسط لأمته يوم العرض الأكبر. فالشفاعة في الإسلام تكون لأصحاب الحاجات المباحة وبالذات العاجزون والمحتاجون

 

إن آبائنا وأجدادنا عرفوا الدين الإسلامي من منبعه الأصلي وهو الفطرة كما قال تعالى "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" الروم: 30 ولم يكن لديهم في تلك الفترة رجال دين يطلون عليهم في كل لحظة من خلال القنوات الفضائية ليفقهوهم في دينهم ولم يكن لديهم جامعات يتعلمون ويتخرجون منها ولكنهم كانوا أصحاب فزعة ويخافون الله مبدؤهم أنهم يعيشون لغيرهم لأنهم بهذا المبدأ فإن الحياة لديهم تبدو طويلة وعميقة وتمتد لما بعد رحيلهم من على وجه هذه الأرض. وكان من خلقهم حسن اللقاء وطيب الكلام ومشاركة الأخ لأخيه في السراء ومواساته في الضراء وكل ذلك من كريم الخصال وحميد الشيم، وهم بهذه الأمور أصبحوا من أهل المعروف الذي يجب على كل مسلم أن لا يقلل من شأنه أو يحتقر بذله" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق " وإن أعظم المعروف ما ترك في النفس أثرًا طيبًا تذكره فتشكره، وإذا كانت طلاقة الوجه للأخ يعتبره الإسلام معروفًا يؤجر عليه العبد، فكيف بما هو أكثر نفعًا وأعظم فائدة تعود على الأخ المسلم، كبسط اليد إليه بالإنفاق، وكواسطة الخير في أمرٍ مشروع، وكتفريج الكرب عن المكروب أو دفع المكروه. ومن تحرى قضاء حاجات ولم يكتب قضاؤها على يديه فكأنه لم يقصّر في قضائها، والإخوان يعرَفون عند الحوائج، لأن الناس في الرخاء كلّهم أصدقاء، وشر الناس الخاذل لإخوانه عند الشدّة والحاجة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم موجهاً البشرية على التحرك في قضاء الحاجات “.. ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني: مسجد المدينة ) شهراً". وقال صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" ويقول أبو عثمان شيخ البخاري رحمه الله -: "ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنت له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان" كان السلف يعرفون كيف يقضون حاجات الناس بسعة صدر ورضى نفس ولم يكن آبائنا وأجدادنا بعيدين عن هذا النهج ولذلك كانت لحياتهم معناً كبيراً

 

لقد اشتهر أفراد المجتمع القطري بالفزعة وها هو سمو الأمير المفدى الذي تشرب من النبع الأصلي للمجتمع القطري يهب متوسطاً لدى الأطراف المتخاصمين في العالم لدرجة أن الدول العظمى والمنظمات العالمية تطلب توسطه، حفظه الله، لحل العديد من المشاكل العالمية.

 

ولكن عندما ننظر للأمور على المستوى المحلي نجد أن العديد من المسئولين الذي أعطاهم رب العالمين السلطة والجاه يعرقلون مصالح الناس ويجبرونهم على طلب الواسطة لإنهاء معاملاتهم ولو لم يكن ذلك فكيف لا تسمح النظم بالموافقة ولكن عندما تأتي الواسطة تتم الموافقة وبخاصة إذا كانت الواسطة من أصحاب العيون الخضر والفستان الضيق والقصير (بهذه الواسطة يمشي الموضوع بسرعة البرق .. وا عجبي!!). إن هذا الأمر يرجع، من وجهة نظري الخاصة، إلى هيمنة الحياة المادية على المجتمع وقلة الوازع الديني واقتباس الحياة الغربية من لغة وما صاحبها من عادات خارجة عن العرف المحلي والتقاليد الإسلامية وفي نفس الوقت الشتات العربي وعدم النظر للعرب على أنهم الأشقاء العرب بل هم المصري والسعودي والمغربي والأردني والإماراتي و ... و .... لقد عزلت تلك الأمور الناس عن بعضهم البعض ولم يعد الأمر قيام القطريين بالتوسط لغيرهم بل أصبح الوضع أقسى بكثير فقد أصبح غير القطري يتوسط للقطري عند القطري في بلاده ولقد أصبحت الواسطة مصدر إحباط للجميع، فبكل بساطة عندما ترغب في العمل في مكان ما يقال لك "إذا عندك واسطة تمشي أمورك". إنني شخصياً أعتبر إن الأفضال على الناس والإحسان إليهم شرف عظيم جعله الله لكل صاحب مالٍ أو جاه، بل إن من أعطاه الله عز وجل نعمةً من مالٍ أو جاهٍ فقد وجب عليه الإحسان إلى الناس وكم من صاحب حاجة لم يكن ليبلغ حاجته لو لم يجد من يعطف عليه ويساعده، وكثيراً من أصحاب الحقوق لو لم تفتح لهم أبواب الشفاعة لدى ولي الأمر والمسئولين لما توصلوا لحقوقهم وكم من شفاعة أسهمت في حل مشكلات معقدة لو أوقفناها على النصوص واللوائح الجامدة لأضرت بالناس

 

ولقد أعجبني قول أحد الحكماء: "اصنع الخير عند إمكانه يبق لك حمده عند زواله، وأحسن والكرّة لك يحسن إليك والكرة عليك، واجعل زمان رخائك عدةً لزمان بلائك". فربما يحتاج إليك الناس الآن ولكن ربما ستحتاج إليهم مستقبلاً فإذا لم تخالقهم بخلق حسن وتقوم على أمورهم التي يحتاجون إليك لقضائها فالجميع سيتنكر لك عندما يصيبك ما أصابهم ولا تنس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل شيئا من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال" وفي حديث آخر يقول هادي البشرية صلى الله عليه وسلم "إن لله أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم" إن أجدادنا، رحم الله حيهم وميتهم، يقولوا دائماً "بأن النعمة زوالة" فبادر بالمحافظة عليها بأداء حقها عليك

 

وعلى تلك الأسس وتمشياً مع قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه" سنمضي على هذا الدرب ولو غلقت أمامنا الأبواب بحجة أن المسئول في اجتماع ونطالب كل أفراد المجتمع بالعمل مع بعضهم البعض ليكون كل فرد شفيع للفرد الآخر ولنحافظ على مكتسباتنا الجميلة ونحميها من الضياع في هذا العالم المادي

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع